الثورة أون لاين – راغب العطيه
باتت مشاريع القوانين التي ترمي إلى تضييق الخناق على الحريات في فرنسا ، أمراً دارجاً يستهوي أصحاب السلطة والحكم في هذا البلد الذي يدعي أنه من مناصري الحقوق الإنسانية ، فيما تسعى حكومة ماكرون إلى تكميم أفواه كل من يعارضها ، وقد جدد الفرنسيون أمس رفضهم لقانون الأمن الشامل عن طريق تنظيم مظاهرات في عدة مدن منها العاصمة باريس ، وشهدت الاحتجاجات صدامات بين الشرطة ومتظاهرين مناهضين لاقتراح القانون الذي يهدف إلى تقييد الحقوق الأساسية للفرنسيين ، وينص في إحدى مواده على عقوبة السجن سنة ودفع غرامة قدرها 45 ألف يورو ، في حال بث صور لعناصر من الشرطة .
ما يجري في فرنسا من احتجاجات متواصلة وأعمال قمع وحشية من قبل الشرطة ، يثبت مجدداً أن فرنسا كغيرها من الدول الأوروبية التي تتشدق بالحديث عن حقوق الإنسان ، لم تكن يوماً دولة ديمقراطية في تاريخها ، رغم أنها صاحبة أشهر ثورة ضد الظلم ، وكل فترة هناك احتجاجات شعبية عارمة تجتاح المدن الفرنسية على قوانين عنصرية تسلب الفرنسيين المزيد من حقوقهم الحياتية والاجتماعية ، وكذلك فإن التاريخ لم يغفل يوماً الجرائم الفرنسية المرتكبة بحق شعوب أخرى، لاسيما وأن فرنسا هي صاحبة تاريخ استعماري بغيض، وتتلطى وراء شعارات الحرية والديمقراطية للاعتداء على البلدان الأخرى ونهب ثرواتها .
إذا فأقنعة الدفاع عن الحريات وحق التعبير عن الرأي التي يتلطى الغرب وراءها تتساقط تباعاً اليوم ، حيث الطريقة الوحشية التي تتعاطى فيها الشرطة الفرنسية مع المظاهرات الرافضة لقانون “الأمن الشامل” تكشف نفاق باريس على وجه الخصوص والغرب بشكل عام في الحديث عن الحريات والشعارات الجوفاء التي تتغنى بها عند استهداف الدول التي ترفض الخضوع لإملاءاتها .
واللافت أن المظاهرات الاحتجاجية والطريقة الوحشية التي تعاملت بها شرطة ماكرون مع المتظاهرين والصحفيين ، كشفت مفارقة تشير إلى سياسة الكيل بمكيالين التي تتبعها فرنسا وغيرها من دول أوروبية تتشدق بشعارات حماية حقوق الإنسان وحرية الصحافة لخدمة أجنداتها السياسية في دول أخرى مثل سورية ، فجاءت عملية الاعتداء على مصور يدعى أمير الحلبي ينتمي لتنظيم “الخوذ البيضاء” الإرهابي أثناء تغطيته للمظاهرات ، لتكشف إلى أي مدى سخَّرت فرنسا والدول الغربية الإعلام المضلل لاستهداف الشعب السوري ، وجندت لهذه الغاية الكثير من الأدوات الرخيصة المأجورة على شاكلة “الحلبي” وغيره العديد من الإرهابيين الذين تنقلوا بين صفوف التنظيمات الإرهابية على مختلف أشكالها وتسمياتها ، وفبركوا الكثير من القصص والروايات الكاذبة ، ونالوا العديد من الجوائز ثمناً لعمالتهم الرخيصة ، ومنهم المدعو هادي العبد الله ، ولكن عندما تنتهي صلاحيتهم تعيدهم الدول المشغلة لهم إلى حجمهم الطبيعي وتلفظهم على قارعة الطريق ، كما حدث مع مصور “الخوذ البيضاء” فلم تجد الشرطة الفرنسية أي حرج في الاعتداء عليه وتهشيم وجهه ، لأنه تجرأ على تصوير لقطات عنف لشرطة ماكرون أثناء قمعها المظاهرات المنددة بقانون الأمن الشامل ، وهنا تتجلى ازدواجية معايير الغرب بأبشع صورها ، ففرنسا وغيرها من دول الغرب لم يتركوا مناسبة إلا وطالبوا فيها سورية بعدم التعرض لأدواتهم من التنظيمات الإرهابية ، بينما تعمد باريس إلى قمع محتجين مدنيين يرفضون قانوناً يكم الأفواه والحريات وتمارس بحقهم أبشع عمليات القمع والضرب .
عنف الشرطة واعتداءاتها الوحشية على المتظاهرين خلال الاحتجاجات المستمرة في فرنسا عرَّى سياسات الحكومات الفرنسية ، وكشف الحقائق التي يعرفها السوريون جيداّ عن هذه الدول الاستعمارية ، حيث تورطت العديد من الدول الغربية سياسياً وإعلامياً في تأجيج الأوضاع في سورية ، وكانت عمليات التلفيق والفبركة من أهم أدوات أطراف العدوان بهدف التلاعب والتضليل ، وخلال سنوات الحرب الإرهابية على سورية تم كشف العديد من حالات الفبركة والتزوير التي ارتكبت من مؤسسات إعلامية غربية معروفة ومرموقة ، ومنها مجلة دير شبيغل الألمانية التي قدمت اعتذارات عديدة عن الأكاذيب والفبركات التي اختلقها الصحفي كلاس ريلتيوس عن الأوضاع في سورية