الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد .
أبى عام 2020 إلا أن تتشح أيامه الأخيرة بالسواد والحزن على الصعيد الدرامي ، إنه الرحيل المؤلم لشيخ الكار المخرج المخضرم علاء الدين كوكش المبدع النبيل ، المناقب كثيرة لمخرج عايش حال الدراما منذ البدايات ، عايشها كمبدع ومؤسس ومُعلّم وفنان وإنسان تاركاً فيها بصمته التي لاتزال حاضرة حتى يومنا بحرارتها وألقها ، قدم عبر مسيرته الطويلة أعمالاً حفرت لها مكاناً متقدماً في وجدان الناس ، ودخل العديد منها ضمن سجلات كلاسيكيات الدراما السورية التي تشكل فيصلاً حقيقياً ونقطة علام في تاريخ الإنتاج الدرامي التلفزيوني السوري ، قدم أعماله داخل وخارج سورية .
ولم تقف هواجسه الإبداعية عند شكل معين من العطاء ، فقد كان مفكراً ومثقفاً من العيار الثقيل ، وإلى جانب كونه من أهم المخرجين السوريين ، كتب القصة والمسرحية وأخرج عدداً من الأعمال المسرحية منها (الفيل يا ملك الزمان) و (حفلة سمر من أجل 5 حزيران) وهما لسعد الله ونوس وذلك في أواخر ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي ، وأولى أعماله الإخراجية على الشاشة الصغيرة كانت (مذكرات حرامي) 1969 ، إلا أنه في كل عمل كان يُقّدم عليه كان على دراية كاملة بكل ما يريد الوصول إليه وتحقيقه من خلاله ، ويضاف إلى ذلك كله وقوفه ممثلاً أمام الكاميرا السينمائية والتلفزيونية ، ولعل واحدة من أهم ما ميز علاقاته تواضعه الكبير الذي يُصنّف ضمن خانة (تواضع الكبار) .
كانت للرحل رؤاه وموقفه التي بثها عبر أعماله الإبداعية المختلفة وعبر حواراته الإعلامية ، ومنها حوارات عديدة سبق وأجريتها معه على مر السنين ، وأتوقف هنا عند لقاء أجريته معه قبل نحو خمسة عشر عاماً (2005) ، وحينها كان من أبرز المحاور التي تم تناولها بدايات التلفزيون وكيف كانت آلية العمل آنذاك ، وسر ترياق الحياة لعمل بقي في الذاكرة الجمعية ، وهو (أسعد الوراق) 1975 الذي يعتبر من الأعمال القليلة التي حملت روح استمرارها إلى اليوم ، عنه قال (الصدق كان عاملاً أساسياً في بقائه ، فقد قدم نموذجاً من الشخصيات وهي أسعد الوراق ، الشخصية المسحوقة التي تعيش على هامش المجتمع ، ولكن كان نبيلاً في أعماقه ومشاعره وتصرفاته ، فالناس أحبوا هذا الصدق في التقديم وشعروا أنه شخص منهم ، لذلك عاشت الشخصية في ذاكرتهم ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى شخصية منيرة التي تزوجها أسعد الوراق فقد عاش الناس معها صرختها الأخيرة لأن فيها صدق فكانت صرخة احتجاج على ظلم المجتمع) ، بهذه الروح وهذا المنطلق كان يتعامل الراحل الكبير مع الأعمال لتحمل سمة الديمومة والبقاء ، وسعى عبر ما قدم على صعيد الدراما التلفزيونية إلى طرح مختلف القضايا التي ربما كان من النادر أن يتم طرحها في حينها ، ومنها قضية المرأة التي نتلمسها عبر مسلسلي (البيوت أسرار ، أمانة في أعناقكم) حيث كانت البطولة فيهما نسائية ، إضافة إلى تقديمه البيئة الشامية من وجهة نظر بعيدة عن التعاطي التجاري معها كما في مسلسل (أبو كامل) وأعمال أخرى قام بإخراجها .
إنه غيض من فيض كثير لمبدع له مكانته في أفئدة من افتقدوه برحيله المُفجع ، ويبقى السؤال هل لمبدِعٍ حفر نِتاجُه في قلوب الملايين أن يتجرأ عليه الموت ويمحو وجوده ؟.. أحقاً يمتلك الموت تلك السطوة التي يرعبنا بها أم تراه لا يقوى إلا على الجسد ؟.. ربما يكون له سطوة وجبروت ولكن عندما يطال المبدعين تكون السطوة والخلود لما سطروا من إبداعات يصعب على الزمن أن يتجرأ للنيل منها فهي راسخة في عقول وقلوب الكثيرين ، وتحولت إلى ذاكرة وإرث فني وفكري وجمالي وحضاري .