الملحق الثقافي:إيمان الحسن:
الفن عالمٌ غنّي ومتنوع، يرتقي بالنفس البشرية، ويعيد تشكيل الحياة لتكون أكثر جمالاً وبهجة وألقا..
إنها محاولة راقية لترميم ما علق بروح الإنسان من قبحٍ وتشوه. هذا الفن القادر على التغيير انطلاقاً من عوالم الفنان ذاته، حيث تنطلق شرارة الإبداع وتتطور لتمسح في عمقه، قبل أن تخرج إلى العلن مليئة بالأسرار والهواجس التي تلمحها بين المشاهد حيناً، وتتوه عنها أحياناً كثيرة.
اللوحةُ ذاتٌ متوهجة بكلّ المشاعر الإنسانية، متداخلة بكلّ الخلق الذي كان ولايزال الإنسان، يطمح إليه بكل كينونته.
من هذه النقطة البعيدة الأغوار في النفس، تبدأ لوحتي بفكرة لا أختارها بل تختارني. لا أبحث عنها بل تبحث عني وتتسلّل من عوالم اللاشعور، لتسيطر فيما بعد على شعوري كله.
عندها، أدرك أني سأبدأ مشروعاً جديداً، فأبدأ على عجلٍ قبل أن تضيع تلك النشوة الصغيرة التي تسيطر عليَّ وأنا ألملم أدواتي، وأحضّر ألواني وريشتي. قد لا أبتغي الفكرة ذاتها بكل مفرداتها وتفاصيلها، بعد أول خطٍّ أخطّه على لوحتي البيضاء.
هكذا تنمو الفكرة وتكبر شيئاً فشيئاً حتى تكتمل، فأشعر مع آخر ضربة ريشة، أنني أنا من انتهيت وفرغت، لا لوحتي.
الفن عملية نفسية معقدة، تشبه انبعاث الضوء من عتمةٍ غير معروفة الأبعاد أو الاتجاهات، والسير على وهج هذا النور الذي يمثّل الحياة كلّ الحياة، هو ما يكون في تلك اللحظة الهادفة للوصول إلى نقطة اللاعودة قبل أن يخبو هذا الضوء وينطفئ.
هي رحلةٌ تختلف مرة بعد مرّة، ومع كلّ لوحة جديدة، أو فكرة تحاول الولوج إلى شعوري مرة بعد مرة. ربما المرأة هي الفكرة الأكثر نضجاً في أعمالي. لقد استحوذت عليَّ فكرة ذلك الكائن الشفاف كالضوء. المكسور الخواطر كالفقراء.. استحوذت عليَّ لتشكِّل عنواناً لأعمالي الأخيرة.
الخطيئة الأولى التي جسدت التفاحة، وحتى ما بعد كل الخطايا التي تُنسب إليها ظلماً وقهراً.
حاولت أن أصنع عالماً جديداً، من لونٍ اختار فيه ما يُبهج حيناً، وما يُغرق في الحزن والتيه الذي أحياه في عوالمي الفنية أحياناً أخرى، فأغرق في بحار الأزرق الباردة، لأخرج إلى دفء الأحمر ومرارته. بعدها، أتماهى وأحزاني مع الأصفر الباهتٍ وكروحٍ منكسرة، وللون التراب أنشودة حزينة في لوحاتي التي لابدَّ للبنفسج من أن يقول فيها، مالا يقوى غيره على قوله.
كيف أستطيع أن أخرج من نفسي، وأنا المرأة التي تجسّد عالماً من النساء دفعة واحدة؟!!..
هذا ما عشته في تجربتي الفنية الأخيرة، وأنا الآن في مرحلة مخاضٍ لبدء مرحلة جديدة، بعد معرض “بقايا عطر” وأشعر أن هناك هواجس جديدة، تتنازع لتأخذني بعيداً، حيث مشاريعٍ فيها كلّ الجديد..
التاريخ: الثلاثاء8-12-2020
رقم العدد :1023