الثورة أون لاين – د. مازن سليم خضور :
في سلسلة “الحرب الأخرى” والتي نقدم من خلالها في “الثورة أون لاين” طرحاً أكاديمياً لواقع المنظومة الاجتماعية في سورية التي تأثرت إلى حدٍ كبيرٍ بالحرب الدائرة منذ العام “2011م” .
في هذا المقال البحثي نطرح واقع “الأشخاص ذوي الإعاقة” في سورية ، و كلمة “معاق” تعنى ” شخصاً عاجزاً كلياً أو جزئياً عن ضمان حياة شخصية واجتماعية أو طبيعية نتيجة نقص خلقي وغير خلقي في قدراته الجسمية أو الفكرية ” ، وللمعاق حقوق حسب إعلان الأمم المتحدة فله حق مكتسب في الحصول على الاحترام ، ومهما يكن سبب الإعاقة وطبيعتها وخطورتها ، فالمعاق له الحقوق الأساسية نفسها كما لمواطنيه الذين هم في سنه ، وهذا يعنى في الدرجة الأولى حقه في حياة كريمة و الحقوق المدنية والسياسية نفسها التي للأشخاص الآخرين كذلك الاستفادة من الخدمات والضمان الاقتصادي والاجتماعي وفي الحياة الكريمة .
أعداد “الأشخاص ذوي الإعاقة” في سورية تزايدت بشكل مقلق خلال الحرب ، بينما شكلت قبل الحرب نسبة متوازنة وفق تقارير عالمية بالنسبة للعدد الكلي في البلاد .. فماذا عن سنوات الحرب وما تلاها ؟
“6” أيام مضت على إحياء اليوم الدولي “للأشخاص ذوي الإعاقة” لكن مرورها هذا العام قد يفتح الباب واسعاً أمام إعادة القراءة للعدد الحالي لهذه الفئة بين باقي السوريين ، و التي تضاعفت بشكل يمكن وصفه بالمقلق خلال سنوات الحرب ، حيث بلغت 27% من العدد الكلي للسكان ، التي تتراوح أعمارهم فوق ال “12” عاماً ، وفق دراسة أشرفت عليها منظمة الأمم المتحدة عام 2019 .
الدراسة التي أغفلت عدد الأطفال “ذوي الإعاقة” ممن تتراوح أعمارهم تحت سن “12” عاماً ، قدر عددهم في العام “2018” بأكثر من “3” ملايين أصيبوا بجروح شديدة أو بترت أطرافهم أو توفوا ، خلال سنوات الحرب وفق تقرير لمنظمة “اليونسف”.
هذه الأرقام الخطيرة لم تكن ناقوس الخطر الوحيد نتيجة فوضى السلاح والإرهاب أو بسبب الإهمال التي حصل خلال فترة الحرب لمن فقدوا الرعاية اللازمة ، والتي كانت متوفرة في ظل الأوضاع المستقرة قبل العام 2011م ، بحسب تقارير لمنظمة الصحة العالمية والمنظمة الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة ، أكدت هذه التقارير أنه خلال فترة الحرب ” هناك ثلاثين ألف مصاب كلّ شهر بسبب الحرب في سورية ، وأن الحرب خلّفت مليوناً ونصف المليون مصاب بإعاقة دائمة من أصل ثلاثة ملايين شخص أصيبوا منذ اندلاع الحرب ” وطالبت المنظمة المجتمع الدولي بتوسيع نطاق الدعم الذي يقدم لتأهيل المصابين وإعادة إدماجهم في المجتمع .
بينما تشير دراسات أخرى الى أن 62% من “الأشخاص ذوي الإعاقة” في سورية عاطلين عن العمل ، بينما أدى الدمار الواسع والهجمات على المرافق الطبية والتعليمية إلى تدمير أجهزة الصحة والتعليم في البلاد ما زاد من معاناة هذه الفئة وحرمانهم من الرعاية المتخصصة ومن المرافق التي يحتاجون إليها لكي تتحول طموحاتهم إلى واقع ملموس .
وتقدر منظمة الصحة العالمية أن 15% من سكان العالم (أكثر من مليار شخص) يعانون أحد أشكال الإعاقة ، فيما تشير بعض الدراسات إلى ارتفاع كبير في أعداد هذه الشريحة في سورية خلال الحرب ، ويعاني الأشخاص ذوو الإعاقة من حالة صحية أقل ، وإنجازات تعليمية أقل ، ومشاركة اقتصادية أقل ، ومعدلات فقر أعلى من الأشخاص غير المعاقين بسبب غياب الأمان واختلاف الأولويات .
اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ، التي اعتمدت في عام 2006 كانت قد وسعت دائرة حقوقهم ، لاسيما في إطار تنفيذ جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة وغيره من أطر الأعمال الدولية ، وعلى سبيل المثال ميثاق إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل الإنساني ، والخطة الحضرية الجديدة ، وخطة عمل أديس أبابا بشأن تمويل التنمية .
ومن أهداف اليوم العالمي :
• فهم قضايا ذوي الإعاقة من أجل ضمان حقوقهم .
• تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من تحقيق نحو مستقل .
• الحصول على أفضل الخدمات الصحية دون تمييز .
• تعزيز ثقتهم بأنفسهم وقدراتهم من خلال مشاركاتهم في الأنشطة المختلفة .
• إشراكهم بشكل كامل في جميع جوانب الحياة والتنمية .
بعد هذا الطرح يمكن تقديم أرضية علمية تقدم مروحة من الحلول والخطوات من خلال الوقوف على الأسباب الكامنة ومعالجتها :
– التركيز إعلامياً على الحالات التي تجاوزت مفهوم الإعاقة وجعلها قدوة للبقية ومثال ذلك الضابط في الجيش العربي السوري “فراس شيحة” الذي شارك في بطولات عالمية رياضية ، وشارك بالعديد من الفعاليات النشاطية وبالتالي أصبح مثالاً للعديد ممن أصيبوا في الحرب ، وعملوا على تجاوز هذه الإصابة ولو بأقل الأضرار .
– تعزيز وعي الجمهور بمواهب وقدرات هذه الفئة و على سبيل المثال هناك مجموعة من أبطال الجيش العربي السوري الذين أصيبوا وأسسوا مجموعة “صامدون رغم الجراح” التي تعمل على عدم الاستكانة بل العمل على تجاوز الإصابة من خلال إنجاز أعمال حرفية بسيطة من إنجازهم .
– دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع بشكل أكبر من خلال رفع نسب توظيفهم في الدوائر الحكومية ، أو في مجالات التعليم وغيرها .
– إعادة التأهيل طويلة الأمد وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي ، والرعاية الصحية النفسية لهذه الفئة .
– دعم المساعدات المالية للعائلات التي لديها حالات من ذوي الإعاقات لإعانتها في الحصول على الأدوات المساعدة مثل الكراسي المتحركة والعكازات والأطراف الصناعية .
– دعم الجمعيات والمنظمات التي تدعم هذه الفئة من ناحية التسهيلات .
– تطوير عدد من القوانين والتشريعات الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة ومنها القانون 34 لعام 2004 بشكل يلائم تقديم خدمات أفضل ، و إنشاء السجل الوطني للإعاقة بالتعاون مع وزارة الصحة بهدف تسهيل وضع قواعد البيانات المتعلقة بهم .
علماً أن القوانين في سورية ضمنت حقوق “الأشخاص ذوي الإعاقة” بما يضمن دمجهم بالمجتمع وتمكينهم اقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً ، ويعمل المجلس المركزي للمعوقين على رسم السياسات العامة والبرامج التنفيذية لتحسين تقديم الخدمات ، وهناك عشرات المعاهد التابعة “لوزارة الشؤون الاجتماعية و العمل” تقدم مختلف أنواع الرعاية للأشخاص ذوي الإعاقة ، وبالتالي التشارك مع الجمعيات الأهلية لتقديم خدمات أفضل للأشخاص ذوي الإعاقة وتطوير هذه الخدمات ومنها الخدمات الصحية والتعليمية ، وتأهيل الاشخاص ذوي الإعاقة وتمكينهم ليكونوا أشخاصاً فاعلين بالمجتمع من جهة ، وضمان حقوقهم من جهة أخرى