الثورة أون لاين:
لمن لا يعرف الشاعر وآخر المتمردين في قبيلة الصعاليك المبدعين عماد جنيدي ..لك أن تسأل عن حضوره في المشهد الثقافي السوري والعربي قبل ما يقارب نصف قرن من الزمن ..
الشاعر الذي أحيا فكرة الصعلكة الإنسانية بمكان ما من الوطن العربي لكن الحلم انكسر ..
عماد جنيدي شاعر من البراري من السنديان والشيح والزعتر البري من رف حجل يطير من سماع أول نسمة قربه.. لكنه يملك جناحي صقر في الأعالي ..
كنت طالباً جامعياً عندما سمعت اسمه أول مرة ثمانينات القرن الماضي …ودارت الأيام لالتقيه دون معرفة في مكان ما بمدينة جبلة …نادى أحدهم…عماد جنيدي..
كان ضعيف الجسم أخذه المرض نحو النهايات التي استمرت لعقد ونيف من الزمن ..
ومن باب المصادفة أيضاً كنت بزيارة للأستاذ علي القيم معاون وزير الثقافة حينها …دخل شخص يكاد أن…استقبله القيم كأحسن ما يكون وعرفني عليه قائلاً …الشاعر عماد جنيدي…
حين عدت إلى العمل وكنت رئيس دائرة الثقافة حينها رويت للأستاذ أسعد عبود رئيس التحرير ما جرى..
بشيء من الحزن الذي بدأ عليه على حال الشاعر..قال …تواصل معه واطلب منه أن يكتب عنا …بحثت حتى وصلت إليه…وفعلاً بدأ الكتابة …وكان رئيس التحرير يتابع ما يصرف له ويدعوني لأن يكون السقف الأعلى مهما كان حجم ما كتبه قليلاً…
وحين تقاعد الأستاذ أسعد وجاء الأستاذ علي قاسم رئيساً للتحرير استمر الأمر ..إلى أن توفى الشاعر رحمه الله ..
لم ينقطع الشاعر عن زيارة المؤسسات الثقافية والإعلامية أبداً…
كان دائم الشكوى والتبرم مما حل بنا جميعاً وهو الذي لم يعرف الصمت لحظة واحدة….دائماً يردد جملة ترن في مسامع الجميع وأينما كان …ما السبب …عرفته أزقة جبلة ودمشق سليط اللسان لا يهادن يقول كلمة الحق بلا خوف ..
لم يكن الكثيرون ممن يعملون في المشهد الثقافي السوري، يحبون الشاعر عماد جنيدي، لأنه لا يجامل، ولأنه تجاوزهم كثيراً في الإبداع الشعري، مع أنه فقد الكثير من المنابر التي كان يجب أن تنشر له، وربما بعضها استغله تماماً بطريقة أقل ما يقال فيها إنها غير لائقة ..
عشيرة الصبار..
الجديد الذي جعلني أعود إلى محطات سريعة في تجربته هذه مجموعته الشعرية الصادرة حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب بدمشق، وحملت عنوان: وداعاً يا عشيرة الصبار، لا أدري إن كان هو قد قدمها قبيل وفاته وظلت تنتظر دورها بالطباعة بعد أن أبعدتها إبداعات الحسناوات اللواتي لهن، الأولوية في كل المشهد الثقافي والإعلامي، ونحن جزء من المشهد، ولا نبرئ أنفسناً أم إن صديقاً ما قد أعدها وقدمها للهيئة وكانت الاستجابة السريعة، وما جاء في الإهداء يرجّح أن صديقاً له قد أعدها، ولم تقبع بأدراج النسيان ..
المجموعة تقع في 140 صفحة من القطع المتوسط، نذكر من عناوين قصائدها : حب، المطر، الحريق و الحضيض الاخاذ، لحظة الإعراب، ملحمة السن، الطريق، المومس، الشجرة، كرسي الملك، شغب، السحاب …
قصيدة كرسي الملك، تصف صخرة بحرية تقع داخل البحر، مقابل شاطئ مدينة جبلة، أمضى الشاعر عليها نصف قرن من التأمل والسباحة والصيد، وعلى لسانه كما يقول: حين وقعت وكسرت رجلي، صارت هاجسي الوحيد وكم كنت سعيداً، حين أقلتني سيارة إلى مقهى بحري يطل عليها فكتبت هذه القصيدة.
إنها صخرة، في فم البحر
ألقت بكلكلها واسبطرت
وقالت :تعال إلي:
وحيدان إني وأنت
تعال إلي وكن دائماً
مثلما عهدتك
صنو التشرد والاغتراب
وصعدت إليها برجل مهشمة
أتقلقل سكران من نشوتي باللقاء
قلت ها إنني …
ليصل الشاعر إلى لحظة الواقع التي تعود به إلى الحياة المرة :
وأخيراً قمت ودعتها
والنوارس في أفقي
وغيوم رمادية
وتذكرت دراجتي
وتذكرت غرفتي المقفرة
ورجعت إلى غرفتي موهناً
وتركت بروقاً من الوهم تأتي تسامرني
وصببت كأساً ….وكأساً، وكأساً …وكاساً …
لأنسى، وانسى، وأنسى