الثورة اون لاين – ديب علي حسن:
لسنا في عالم منعزل عن الآخر، ولكن لسنا في مهب الريح تذرونا كيفما أرادت وأي اتجاه تريده، هنا جذورنا وحياتنا وثقافتنا ، وحين قرعنا بحار العالم متواصلين متفاعلين ، حملنا له : الحرف واللون والنوتة الموسيقية ،والقمح والغناء ،وبنيننا حيث يجب البناء ،أكرمناه كإنسان ربما كان يحتاج قرونا من الزمن ليصل إلى مرتبة دنيا ممن حملناه إليه، حضارة وثقافة وعلم ومعرفة :
لم نعمل على اقتلاع أحد من جذوره ، والنزول مكانه وسرقته ونهبه ، بل كنا البوصلة الهادية التي ثبتت جذوره حيث هو ، وزدنا نماءها وغذاءها وقدمنا له كل ما نملك.
من هنا كانت الثقافة والانسانية والقيم التي ازدهرت في ظل ثقافتنا وحضارتنا .
أما ماذا عنا اليوم كيف وقد تغيرت الاحوال ، وانقلبت المعايير ، وظهر الآخر منذ قرون على حقيقته يريد اقتلاعنا من أرضنا ووطننا ، جرب اساليب الحروب كلها واليوم وصل ذروتها ،ولا ندري إلى اين يصل في قادمات الايام ، من هنا كان السيد الرئيس بشار الأسد واضحا ،جليا , شفافا ،يمسك مبضع الجراحة ،ويشير إلى حيث الداء ، ويقدم الدواء، في رؤى فكرية تحمل منهج العمل الذي يجب أن يكون دائما أمام أعين من يعمل منا , في كلمته المهمة جدا كما أسلفنا التشخيص الدقيق والعلمي للكثير مما نحن فيه , وهو في الأكثرية منه , من الجانب الفكري والغزو الثقافي المنظم الذي اجتاح الكثيرين منا ، وبسهولة ويسر لأنهم كانوا الأدوات التي حملته إلينا ، عن طيب خاطر وبرضى ، بعضهم عن سوء نية وتخطيط , وآخرون كانوا المطية التي لا تعرف ماذا تفعل وماذا تقدم ، وإلى أين يقودها هذا ؟
من مخزون الصمت إلى بيادر الفعل
من المعروف أن اللغة بيت الفكر ،بل هي كما يرى الكثيرون الفكر ، ولهذا يقول أحدهم : لايوجد فكر خارج اللغة ، ومن اللغة المصطلحات التي تحمل المفاهيم وتشكل الركن الأساس لكل ثقافة , وقد كان السيد الرئيس بشار الأسد واضحا وجليا في تناول هذا الأمر منذ فترة طويلة نبه من حرب المصطلحات ، من سمومها التي تفتك بنا ونحن نصفق لها ، بل نجاريها وروج لها , الحرب كما أشار هي حروب مصطلحات , فرضها العدو الخارجي وعمل من أجل أن تصل إلى ذروة الاستخدام بحيث تصبح اللبنة الاساسية في تفكير من تصل إليه .
مصطلحات غربية ليست من صنعنا ،ولا من ثقافتنا ،بل هي غزو منظم ، خطورته لايمكن وصفها، وهنا نشير إلى أن الكثيرين من المفكرين قرعوا جرس الانذار لما تحمله هذه المصطلحات من مخاطر، يقول عبد الوهاب المسيري في كتابه المهم (العالم من منظور غربي ) : وفي العلوم الانسانية العربية , تم استيراد معظم المصطلحات التي نستخدمها من الخارج ، ولم نسكها نحن ، أو ننحتها بأنفسنا ,وقد أدمنا تماما عملية نقل المصطلحات دون إعمال فكر واجتهاد ،ودون فحص أو تمحيص ، وأصبحت العلوم الانسانية العربية , عقلها في أذنيها _ننقل آخر ما نسمع بأمانة وموضوعية تبعثان على الضحك ولهذا فقد الانسان العربي الحديث القدرة على تسمية الأاشياء , ومن لايسمي الأشياء يفقد السيطرة على الواقع والمقدرة على التعامل معه بكفاءة , أما من يدرك الواقع حق الادراك ثم يصنفه حسب مقولاته , ويسميه أسماء تتفق مع هذا الإدراك أمكنه الحركة بقدر معقول من الحرية , إذ إنه سيراكم المعلومات داخل مقولته هو . مما قد يزيد من مقدرته على التنبؤ بمسار هذا الواقع ويحسن من مقدرته على التعامل معه .
هذه المعركة الفكرية مستمرة , ويبدو أنها ستبقى طويلا , ولكنها لن تنتصر علينا في سورية أبدا ، لقد شخصننا الداء ، ونعرف الدواء ونعمل عليه إعمالا للعقل والعمل والقدرة على الحوار والمواجهة الفكرية ،كما أشار إلى ذلك السيد الرئيس بشار الأسد لن تهزمنا حروب المصطلحات ونحن من يفككها ويعرف كيف يجعلها هشيما يحترق أمام أول شرارة ونعي أن الجذور الفكرية والثقافية والقدرة على صقلها ونقلها من من مخزون الصمت أو الغضب إلى حقل الفعل تثمر وتثمر وها نحن نقطف ثمارها .