الثورة أون لاين – أحمد حمادة:
إنها خطط العمل والبناء ، التي تقودنا إلى السكة الصحيحة والسليمة ، وتحقق أهدافنا ، وتعيد إعمار أوطاننا ، وتنتصر على الإرهاب ، وتوصل شعوبنا وكل شعوب المعمورة إلى بر الأمان ، خطط “عمل” تنصف شعوبنا وتنتصر لقضايانا لا “غضب” يأخذنا إلى حيث يريد أعداؤنا .
إنها خطط تحول “الغضب” إلى نقاش وحوار وأفكار ، وليس إلى فعل غير مدروس ومدمر وردّات فعل أكثر تدميراً منه ، ولأنها كذلك فقد كانت محوراً رئيسياً بكلمة السيد الرئيس بشار الأسد في الاجتماع الدوري الذي عقدته وزارة الأوقاف في جامع العثمان ، حيث وضع النقاط المفقودة على حروف هذه القضية الجوهرية .
فالغضب هو حالة إنسانية ، ولكن لنبقه في داخلنا ولنحوله إلى إنتاج ، لنحوله إلى خطة عمل ، ومن هذا الفهم العميق لمفهومي الغضب والعمل ، وضع الرئيس الأسد القواعد التي ترسي الحالة الصحية المطلوبة في مجتمعنا ، وفي كل مجتمع ، والمنهج الذي علينا السير على سكته ، والثبات على هدي خيوطه العلمية الموثوقة .
ولننظر إلى الضفة المقابلة لنر ما يحدث ، ففي العالم الذي شهد انتفاضات من قبل بعض شعوبنا على سلوك غربي معين ، رأينا كيف غابت خطط العمل لتحل محلها خطط الغضب غير المدروسة وغير المجدية ، والتي وجدت لها صدى كبيراً في غير مكان من هذا العالم ، وخصوصاً في الغرب ، وردات فعل ربما أعطت نتائج مغايرة ، ورأينا كيف استغلها الغرب الاستعماري – وخصوصاً بعد المظاهرات الغاضبة على الرسوم المسيئة لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم – ليشوه إعلام الغرب المضلل جوهر الدين الإسلامي الحنيف والمتسامح ، ويوحي للعالم بمفاهيم خاطئة عنه وعن معتنقيه ، وكيف بدأت تتعالى الأصوات الغربية التي تنفخ بقضايا غير صحيحة وتروج “لفوبيا” الإسلام ، وتسوق للإرهاب والتطرف الإسلامي المزعوم .
وكي نقطع الطريق على أعداء أوطاننا وشعوبنا ، واستثمارهم لحالات الغضب غير المدروسة لدى الكثير منا ، كان لا بد من وضع النقاط على الحروف ، والبحث عن الحالة الصحيحة للتعامل مع هذه الظاهرة ، فماذا يعني أن نغضب ونقاطع البضائع الفرنسية والدانماركية يومين أو ثلاثة بسبب الرسوم المسيئة المشار إليها ، ثم نعود إلى سابق عهدنا ونستوردها ؟ ألا نظهر هنا – كما أشار الرئيس الأسد – وكأننا نرسل رسالة للخارج بأن علاقتنا بالدين هي علاقة متذبذبة غير ثابتة ، وبالتالي ليست مبدئية لأن المبادئ ثابتة .
وليس هذا فحسب بل إن جوهر هذه الفكرة ، التي أراد الرئيس الأسد إيصالها للجميع ، تتمثل بأن حالة الغضب نفسها تعامل معها رسولنا الكريم بكل حكمة ، ألم يقدم لنا نماذج في الهدوء ورباطة الجأش بدلاً من نماذج الغضب ؟ ألم يكن عليه الصلاة والسلام يعامل من أساؤوا إليه بكل احترام مع أنه كان يعيش في زمن الكرامة التي كانت أخطر شيء وكانت تندلع الحروب من أجلها ؟ وبدلاً من الغضب على من أساء إليه وعلى من هجاه وعلى من فعل كذا وكذا فإنه كان يقابلهم بالأخلاق والعمل لبناء الإنسان ؟ وهنا أليس من الواجب علينا أن نتبعه بالسلوك وليس بالعقيدة فقط ، وأن ننتصر للعقيدة بتطبيق مقاصدها وليس بالغضب ، لا بل أكثر من ذلك فإن القرآن الكريم يرشدنا إلى حيث لا نغضب ، “والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس” و”الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما” .
لهذا كله كان سهم البوصلة في كلمات الرئيس الأسد مصوباً نحو ضرورة العمل وليس الغضب ، فغاص في أعماق هذه القضية الجوهرية ، ولاسيما في ظل هذا الفضاء الغربي الاستعماري ، الذي لا تضبطه ضوابط قانونية ، ولا تحكمه قواعد أخلاقية ، ويحاول أن يستغل حتى غضب البعض منا ليشوه حضارتنا وثقافتنا وعقيدتنا ، وهو أساساً من يخترع المشكلات ليؤجج الأوضاع في مدنه وشوارعه ، ثم يحمل المسؤولية للمهاجرين المسلمين الذين يقطنون على أراضيه .
بالعمل إذاً ، وليس بالغضب ، ننتصر لقضايانا ، فهو خريطتنا نحو الطريق الصحيح ، وسكتنا نحو أهدافنا ، واستراتيجيّتنا نحو حل مشاكلنا ، لكن قبل كل شيء علينا توزيع المسؤوليات والأدوار بيننا ، وكل حسب اختصاصه ، وأن نسأل أنفسنا ما الذي نريده ؟ وكيف يمكننا الوصول إليه ؟ وكيف نكون قادرين على فضح هذا الغرب الذي يستثمر حتى غضبنا غير المدروس ليحقق أجنداته المشبوهة