الثورة أون لاين – علي الأحمد:
في الخامس من تشرين الثاني عام ١٩٨٥، انطفأ قلب فيلمون وهبي، وانطفأ معه، زمن إبداعي خاص ومتفرد، كتبه بملء القلب والروح، ليملأ أسماعنا ويُغني ذائقتنا، بعقد من اللؤلؤ الفيروزي النادر، الذي وسم عصر من الإبداع تشارك فيه هذا الملحن العبقري، مع كبار المدرسة الرحبانية “عاصي ومنصور” لتكتمل اللوحة بألوانها المبهجة للروح والقلب، وترفد الأغنية العربية بروائع خالدة لن يمحوها الزمن أبداً.
فيلمون وهبي، هذا الصياد الماهر، عبقري الفطرة، والجمال الهادئ المنسكب عذوبة وفرح، النبع الفياض، الذي كانت تأتيه الألحان عفو الخاطر، من دون تكلف أو تصنّع، نتذكره لا بسبب ذكرى رحيله المر، ولكن بسبب حضوره الساطع رفقة صوتها النبيل، صوت فيروز الذي وحده يمنحنا كل الطمأنينة الروحية والأوقات الطيبة الهانئة، في عالمنا الملتاث هذا، الذي يسير نحو هاويته المحتومة، عالم فقد رشده وأطلق العنان، لثقافة الخراب والقتل والدم، نعم نفتقده، في زمننا الشحيح هذا، الذي أقام قطيعة روحية ووجدانية مع كل ما هو أصيل ونبيل، في الماضي الموسيقي القريب، الذي كان فيلمون وهبي، أحد فرسانه الكبار وصانع مجده الفني الذي لن يتكرر، كما ينبئنا منتوج هذه الألفية الثالثة العتيدة، ولعل المتابع لنتاج هذا العبقري، يجد الكثير من المحطات في حياة فيلمون وهبي، لم تأخذ حقها من الاهتمام والكشف والإضاءة، فهنا فنان استثنائي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ظل على مدى نصف قرن، يدهشنا بألحانه الكبيرة، بقيمتها وجودتها الإبداعية التي لا يشكك أحد بها وبمكانتها التي استحقتها في تاريخ الأغنية العربية المعاصر، نعم ترك بصمته وحضوره المضيء في كثير من المحطات الكبيرة، من الألحان، إلى التمثيل في الإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح، وصولاً، إلى المونولوجستات اللاذعة الساخرة، على بعض ظواهر المجتمع سياسية كانت أم عاطفية، لم يترك مجالاً فيه حالات شاذة وغير طبيعية، إلا وانتقدها بألحان وكلمات في الصميم.
لحن لكبار المطربين العرب، من أشهرهم وديع الصافي “بترحلك مشوار، حلوة وكدابة” ولصباح” عالعصفورية، ويا أمي طل من الطاقة، ويا طير الطاير قللو، ودخل عيونك حاكينا، وأهلا بهالطلة ، وغنت” نجاح سلام “من ألحانه “برهوم حاكينا، والشب الأسمر جنني، ولنصري شمس الدين” ألطف من النسمات، بحلفك ياطير بالفرقة، بكير بعدك يازغيرة، هدوني هدوني عينيك سحروني، على عالي الدار عليها، عم تغزل، ولفهد بلان” عباية مقصبة”، كما غنى من ألحانه وردة الجزائرية، شريفة فاضل، ملحم بركات والعديد من الأصوات المهمة، ولا ننسى بالطبع روح الدعابة والكوميديا الراقية دون ابتذال أو تهريج، عبر شخصيته المشهورة “سبع” قدمها في كثير من المهرجات في بعلبك، ومعرض دمشق الدولي، بيت الدين، بعلبك الدولية، جبيل، مسرح البكاديلي ومن خلالها قدم اسكتشات ” سنفرلو عالسنفريان، بيب بيب اجا فيليب حبيب، همبرجر، عندي دوا، أبجد هوز اسمع مني لا تتجوز، والكثير من عطاءات هذا النبع الفياض والصياد الأنيق بألحانه العذبة التي لا تموت لأنها مكتوبة بحبر القلب والموهبة الخالصة التي لا تجارى.
كما شارك الرحابنة العديد من المسرحيات الغنائية “يعيش يعيش، ناس من ورق، بياع الخواتم، لولو، ناطورة المفاتيح، المحطة وغيرها، وتبقى المحطة الأهم في مسيرة هذا المبدع الخلاق تعاونه الروحي والوجداني، مع رفيقة العمر فيروز التي غنت من ألحانه روائع خالدة، من الكرم الفيلموني المعطاء ” ياكرم العلالي، جايبلي سلام، ليلية بترجع ياليل، فايق ياهوى، يادارة دوري فينا، من عز النوم، على جسر اللوزية، أنا خوفي من عتم الليل، صيف ياصيف، طيري ياطيارة طيري، ورائعته الفاتنة” دهب إيلول،لما عالباب منتودع، ياريت، وعمله الكبير اسوارة العروس، وغيرها من دهب الفن العتيق الذي لايموت، خاصة إذا سبكته حنجرة كبيرة وساحرة كصوت هذه الكبيرة البهية، التي قالت فيه :” كل اللي تركتن اشتاقولك… وكل اللي جايين رح يحبوك”.