الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
حملت الكثير من الأعمال الدرامية التلفزيونية السورية عبر مسيرتها هموم الناس وهواجس المواطن العربي عموماً والسوري بشكل خاص ، محاولة التعبير عنها بصدق وجرأة ، كما قدمت أعمالاً وطنية استشفت المستقبل ، منبهة من مؤامرات تحاك من قوى الظلام ، وذلك كله سعياً منها لتكون أداة تنوير وتوعية وتحريض للفكر ، مُعبّرة عن الهوية والانتماء للوطن ، ولعل من أبرز السمات التي تمتعت بها تلك الأعمال عمقها الفكري ومحاولتها تكريس هذه الرؤى بصيغ مختلفة ، منها ما كان هذا الموضوع هو الهاجس الأساسي فيها ومحورها الرئيسي ، ومنها ما شكّل موضوع الهوية والانتماء أحد الأركان الحاضرة بقوة ضمنها إن كان عبر البيئة أو الذاكرة الجمعية وأحداث ارتبطت بالمكان والزمان أو من خلال العادات والتقاليد والقيم التي تشكل في مجموعها هوية مجتمع .
المهمة التي تطلعت إليها الدراما السورية على مر السنوات ربما تكون اليوم واحدة من أبرز المهام الملقاة عليها في ظل التحديات التي تعيشها السورية بعد كل ما حققته من انتصارات ، وتكالب القوى الظلامية لضرب المنعة الداخلية ، والسعي إلى فصل الإنسان عن مبادئه وانتمائه وعقائده وهويته .. الأمر الذي نبّه إليه السيد الرئيس عبر كلمته في الاجتماع الدوري لوزارة الأوقاف الذي عقد مؤخراً ، الكلمة التي جاءت غنية بالمعاني والأفكار ، ومنها التركيز على أهمية التحصين الداخلي للمواجهة ، فهناك من يسعى لفصل الانسان عن المبادئ والقيم والعقائد والانتماء ، مع التأكيد على أهمية تعزيز المفاهيم القيمية وعلى الهوية والولاء والانتماء ، والسؤال الذي يطرح نفسه : أين دور الدراما في ذلك كله ؟ وهل تمتلك ناصية التأثير الحقيقي ؟ وما المطلوب منها اليوم في ظل هذه المعطيات ؟.
حول هذا الموضوع يقول المخرج والفنان عارف الطويل : ما يميز المجتمع السوري عن بقية المجتمعات في المنطقة أننا مجتمع متنوع ومتعدد وهي ميزة إيجابية ، فهذا التنوع الاجتماعي يقابله تنوع فكري وعقائدي ، وضمن هذا المناخ تتشكل الهوية السورية ، لذلك عندما نتعامل مع هذه التفاصيل في المجتمع السوري ينبغي التعامل بحذر على مستوى الطرح الفكري ، ولذلك لا يمكن أن نفكر إلا بطريقة تتناسب مع هذا التنوع الموجود على أرض الواقع .
ويتابع قائلاً : بدا في كلمة السيد الرئيس الحرص على هذا التنوع والفكر السوري المتنور ، وفي ظل هذه الحرب الطويلة خسر في المواجهة العسكرية كل من راهن على سورية ، إلا أن هناك بعض الجهات التي سعت لحرب الفكر عبر استغلالها لكل ما له علاقة بالعقيدة والدين ، ومحاولة خلق مشكلة لتطرحها عن طريق وسائل إعلام متنوعة ووسائل التواصل الاجتماعي لتثيرها داخل المجتمع السوري ، حيث تذهب باتجاه كل نمط من أنماط التفكير السوري بقصد أن يتعصب هذا النمط لأفكاره ويعتبر أنه هو السوري وما عداه فهو غير سوري ، وينبغي هنا أن نكون حذرين جداً من هذا الأمر وأن ندافع دائماً عن هويتنا السورية المتنوعة ، فلا يمكن أن تكون سورية دون هذا التنوع الفكري فيها .
ويشير الفنان والمخرج عارف الطويل إلى أن الدراما هي واحدة من وسائل التواصل مع الجمهور السوري ، لا بل هي من الوسائل التي تحقق تواصلاً كبيراً ، كما أن الجمهور السوري ذواق للدراما ويتفاعل معها ويتبناها ، فالأثر الذي يتركه في النفوس كبير على مستوى المجتمع ، وضمن هذا الإطار يؤكد أنه ينبغي على الدراما أن تأخذ على عاتقها هذا الخطاب الذي يتبنى قضية أن سورية متعددة الأفكار والعقائد ، وهي ميزة إيجابية مضافة لها عن بقية الدول في المنطقة ، وأن يتم تعزيز روح المواطنة والحوار فالحوار هو الوسيلة الوحيدة للتطور ، وينبغي التأكيد دائماً أن سورية كلها خارطة واحدة ، فالبلد الذي استطاع الخروج من حرب امتدت عشر سنوات متواصلة ، هو بلد عظيم بكل سكانه وجغرافيته وتاريخه حتى بقي متماسكاً ، وحول إن كانت تمتلك الدراما قوة التأثير الكافية لتتصدى عبر ما تمتلك من أدوات للتفكير الظلامي وتساهم في ترسيخ موضوع التحصين الداخلي ، يقول :
الدراما هي واحدة من الأشكال الفنية القادرة أن تحقق هذا التأثير ، لكنها لا تستطيع ذلك منفردة ، وإنما ينبغي أن تتجه كل أنواع الفنون الأخرى بهذا الاتجاه ، يجب أن يكون لدينا دراما قوية وأغنية قوية وكتاب وشعر ومدرسة قوية تعد الأطفال .. فكل هذه الجهود تتضافر لنحصن مجتمعنا من الانسياق وراء أفكار في غلافها شعارات براقة وفي مضمونها تستهدف تفكيك بلدنا ومجتمعنا