الثورة أون لاين- ترجمة: ميساء وسوف :
صوّت مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديموقراطيون ، بصعوبة بالغة ، على ميزانية بقيمة 740 مليار دولار للإنفاق العسكري للعام القادم. ومن المتوقع أيضاً أن يحذو مجلس الشيوخ حذوه ويوافق على مشروع القانون في وقت قصير. وطبعاً هذا ليس بسبب السخاء المالي المتزايد للإدارة الأمريكية الحالية، ولكن لأن مشروع القانون يحتوي على إجراء إضافي لإعادة تسمية القواعد العسكرية التي سميت بأسماء جنرالات الكونفدرالية في الحرب الأهلية.
وفي الوقت نفسه، يعيش أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 330 مليون نسمة الحرمان والفقر بسبب جائحة فيروس كورونا حيث فقد عشرات الملايين وظائفهم ، ويواجه عدد كبير من الأشخاص الطرد من منازلهم بسبب الديون غير المُسدّدة.
كما تعاني المستشفيات في جميع الولايات من الزيادة في عدد المصابين بفيروس Covid-19 حيث يتجه عدد الوفيات في الولايات المتحدة إلى 300000 منذ انتشار الوباء قبل ما يقرب من تسعة أشهر، فالولايات المتحدة لديها أكبر عدد من الوفيات بسبب المرض في العالم، ومع ذلك لا يجد عدد كبير من المواطنين الرعاية الاجتماعية والطبية الكافية.
إن الأمريكيين يطالبون من أجل الحصول على مساعدة اقتصادية عاجلة للتعامل مع البطالة ولتوفير الطعام لأسرهم، ومع ذلك لايزال الكونغرس يجادل ويؤجل تمرير مشروع قانون الإغاثة من الأوبئة لأنه “سيكلف الكثير”.
قد يكون أحد الحلول السهلة والمُحتملة هو إعادة النظر حول الميزانية العسكرية الأمريكية وتوجيهها لتلبية الاحتياجات الاجتماعية المتزايدة لمواطنيها الذين يعانون من الفقر والمرض. ومن الممكن أيضاً أن يتم فرض ضريبة تصاعدية معقولة على ثروة النخبة في دولة تمتلك فيها عدد من المليارديرات قدراُ من رأس المال يعادل نصف السكان.
وجدت دراسة نُشرت سابقاً من قبل “منظمة أميركيون من أجل العدالة الضريبية” أن صافي ثروات المليارديرات الأمريكيين زادت بمقدار 1000 مليار دولار منذ انتشار الوباء في آذار الماضي.!!! نعم هذا صحيح: في تسعة أشهر فقط، زادت طبقة المليارديرات ثروتهم مجتمعة بمقدار 1 تريليون دولار.
قال فرانك كليمنتي، المدير التنفيذي لمنظمة (أمريكيون من أجل العدالة الضريبية): “لم تشهد أمريكا من قبل مثل هذا التراكم للثروة في أيدي عدد قليل من الناس”.
وأضاف: “بينما يعاني عشرات الملايين من الأمريكيين من الأضرار الصحية والاقتصادية لهذا الوباء تزداد ثروات مئات من المليارديرات إذ إن أرباحهم هائلة لدرجة أنه يمكن أن يدفعوا فاتورة إغاثة كبيرة من الوباء من دون أن يخسروا سنتاً من ثرواتهم التي كانوا يملكونها قبل انتشار الفيروس.”
ولهذا فإنه ليس مفاجئاً أن الولايات المتحدة تنهار من الوباء، فهذا المجتمع في حالة مخاض بسبب اقتصاده السياسي المريض الذي كشفه الوباء . يتم شراء الطبقة السياسية الأمريكية ودفع ثمنها من قبل المليارديرات الذين يريدون حروباً لا نهاية لها لإطعام المجمع الصناعي العسكري وامتيازات ضريبية لزيادة ثرواتهم . إن النظام السياسي منفصل عن احتياجات الغالبية العظمى الذين تُركوا ليموتوا بسبب الفقر والمرض والحرمان.
أمريكا هي نقيض “الديموقراطية” ، فهي تصف نفسها بشكل دائم أنها “استثنائية” و “عظيمة”، وإنما في الحقيقة هي دولة بلوتوقراطية فاسدة ، يديرها المليارديرات والسياسيون الذين معظمهم من طبقة الأثرياء أنفسهم.
لم يغير دونالد ترامب النظام، وكذلك جو بايدن، إنهم غير قادرين حتى على تصور التغييرات الضرورية المطلوبة. فالمهمة ليست فقط مجرد تغيير الموظفين في البيت الأبيض أو في الكونغرس. ما يحتاج إلى تغيير هو النظام بأكمله الذي تم تنظيمه ليعمل كثروة بلوتوقراطية وآلة لتوليد الحرب. سيتطلب ذلك عملاً جماهيرياً من خلال الوعي السياسي المنظم، فالأولوية القصوى تكمن في تلبية الحاجة الاجتماعية على الربح الخاص مما يتطلب كسر الرأسمالية .
إن الجمهوريين والديمقراطيين، بمن فيهم أصحاب الملايين مثل بيرني ساندرز “الاشتراكي”، وآخرين غيره ممّن يدّعون أنهم تقدميون، هم جزء من المشكلة وليس الحل.
الانقسام المفترض بين اليمين واليسار في السياسة الأمريكية ليس إلا وهماً سخيفاً. كلا الحزبين هما وجهان لعملة واحدة حيث ينتهي الأمر دائماً في جيوب الأغنياء الذين لا نهاية لجشعهم من المصرفيين والشركات الكبيرة وتجار الأزمات والحروب.
عندما يكون أي كيان فاسد بشكل مطلق فإنه يصبح محتضراً ظاهرياً، وهذا يعني أن بؤس الشعب الأمريكي ينعكس على موت ومعاناة الكثير من الشعوب حول العالم وذلك بسبب حروب الولايات المتحدة التي لا تنتهي، من أفغانستان إلى اليمن إلى سورية والعراق وليبيا وغيرها، فالأولويات المَرَضيّة للسياسة الأمريكية لا تسبب إلا المزيد من المرض والموت.
المصدر
Information Clearing House