الثورة أون لاين – رويدة سليمان:
ليست هي المرة الأولى التي يتحدث فيها السيد الرئيس بشار الأسد، في كلمته الأخيرة في جامع العثمان عن اللغة العربية وأهميتها، في دعوة إدراك خطر إهمالها وضعفها قبل فوات الآوان، حيث يدرك الأعداء حقيقتها ومدى أثرها في تحصين الأمة، ويحاولون الهجوم عليها والطعن بها بغية جعل الإنسان العربي (لا منتمياً) في ربوع وطنه.
اللغة العربية، أسمى اللغات وأجملها، كانت الموضوع الأهم والأبرز الذي بدأ به السيد الرئيس في خطاب القسم الدستوري أمام مجلس الشعب لولاية دستورية جديدة في السابع عشر من شهر تموز لعام ٢٠٠٧حيث يقول: “يجب إيلاء اللغة العربية التي ترتبط بتاريخها وثقافتنا وهويتنا كل اهتمامنا ورعايتها كي تعيش معنا في مناهجنا وإعلامها وتعلمنا كائناً حياً ينمو ويتطور ويزدهر، ويكون في المكانة التي يستحقها جوهراً لانتمائنا القومي، وكي تكون قادرة على الاندماح في سياق التطور العلمي والمعرفي في عصر العولمة وللمعلومات، ولتصبح أداة من أدوات التحديث ودرعاً متيناً في مواجهة محاولات التغريب والتشويش التي تتعرض لها ثقافتنا.
لقد أعطينا في سورية اللغة العربية كل الاهتمام، وتبوأت موقعاً رفيعاً في حياتنا الثقافية منذ وقت مبكر .. ومطلوب منا اليوم استكمال جهودنا للنهوض بها لا سيما في هذه المرحلة التي يتعرض فيها وجودنا القومي لمحاولات طمس هويته ومكوناته.. والذي يشكل التمسك باللغة العربية عنواناً للتمسك بهذا الوجود ذاته”.
كانت العربية ولا تزال تواجه مزاحمة الضرائر من العامية وبتغليب الأجنبية في التعليم العالي والمجال الاقتصادي والسياحة، وهناك من يخلط الأجنبية بالعربية تظرفاً، من دون إدراك أو وعي لغوي منهم أن إتقان اللغات الأجنبية أمر مهم على أن يكون في جو من النّدية وفي منأى عن الانبهار والاستلاب وليس على حساب اللغة الأم وتهميشها، وبهذا الصدد يقول السيد الرئيس: “يجب أن نتذكر أن دعمنا لتعلم اللغات الأجنبية للوفاء بمتطلبات التعلّم والتواصل الحضاري مع الآخرين ليس بديلاً عن اللغة العربية بل محفز إضافي لتمكينها والارتقاء بها).
ويتابع السيد الرئيس قائلاً: “أنا مهتم جداً بتطوير نفسي في اللغات الأجنبية وأتحدث بعض اللغات بطلاقة، ولا يوجد لدي مشكلة ومتحمس لهذا الشيء ولكنني في الوقت نفسه حريص على اللغة العربية، علينا أن نركز بشكل مستمر على هذا الموضوع.
أثبتت اللغة العربية قدرتها منذ وسعت (كتاب الله عز وجل) واتسعت لعلوم الحضارة، وهي الخيط الذي ينقل تراث الآباء والأجداد إلى الأبناء والأحفاد، فيزداد المرء اعتزازاً بحضارة أمته وتقديراً لأسلافه وحافزاً له لمواصلة مشوار الحضارة والبناء والإبداع والإنتاج، جاء في كلمة للسيد الرئيس في افتتاحية دمشق عاصمة للثقافة العربية بتاريخ ٢٠٠٨/١/٢٤ “ولن يستقيم الحديث عن ثقافتنا العربية دون أن تكون لغتنا العربية الأساس المتين لهذاالبيت، لذلك علينا أن نعلي من شأنها، فهي لغة القرآن الكريم، لغة مكتوب بها نصف تاريخ العالم، وتاريخ علمه وأدبه. لغتنا لغة الشعر العظيم والفكر والفلسفة والعلم”.
ويتابع السيد الرئيس: “علينا أن نكون فخورين بها، ولا يتحقق فخرنا إلا إذا أغنيناها بالإبداع في كل صنوف المعرفة، فهو يعزز من حيويتها، ومن عالميتها، ويجعلها فاعلة في مسار الوعي الإنساني، فلا هوية دون لغة، ولا وطن من دون هوية”.
وفي نبرة الغيرة والواثق، نبرة صادقة تتحسس الهم القومي وتشير إليه في لحظة حرجة، تجسد نبل المشاعر وعمق التوجه وصواب المرمى، تحدث في افتتاح مؤتمر القمة العربية العشرين في دمشق /آذار ٢٠٠٨/ قائلاً: ” أما في الجانب الثقافي والتربوي فأمامنا الكثير من العمل في ظل همجة خارجية ثقافية خطيرة تؤثر على انتماء الأجيال الناشئة لثقافتهم القومية الأم.
والمننطلق لأي إنجاز في هذا المجال، هو العمل على تمتين اللغة العربية على المستوى القومي باعتبارها الحامل الرئيسي لثقافتنا وانتمائنا وذاكرتنا.. وفقدانها يعني فقدان التاريخ.. وبالتالي فقدان المستقبل.
وأمام القمة مشروع لربط اللغة العربية بمجتمع المعرفة كي تكون لغتنا لغةً للثقافة والحياة تحفظ كياننا وتصون هويتنا الحضارية”.
مرات كثيرة وعناوين عديدة تناول فيها السيد الرئيس اللغة العربية للنهوض بها وحمايتها، فهي رمز كياننا وهويتنا الثقافية، وهي لغة القرآن الكريم، ولا يمكن فهم الدين فهماً صحيحاً لا لبس فيه ولا غموض من غير إتقان اللغة العربية، ويؤكد السيد الرئيس في كلمته الأخيرة عليها كحامل للفكر والثقافة بشكل عام قبل أن تكون لغة القرآن حيث يقول: “هي الحامل الطبيعي.. عندما تندثر هذه اللغة أو تتراجع أو تضعف وهذا الشيء كلنا نراه في المجتمع بشكل واضح وبشكل خطير ومخيف، فيجب أن نعرف أن هناك حاجزاً وهناك غربة بين الإنسان وثقافته.. هذا شيء بديهي، الشيء نفسه بالنسبة للقرآن الكريم، وهناك هجمة حتى على لغة القرآن”.
مراسيم كثيرة صدرت للنهوض باللغة العربية حرصا ًعلى سلامة اللغة العربية وانطلاقاً من أهميتها في حياة الفرد والمجتمع، منها المرسوم التشريعي /١٣٩/تاريخ ١٩٥٢/١١/٦ يعزز استخدام اللغة العربية في البيئة وذلك بمنع إطلاق الأسماء الأعجمية على المحال العامة والخاصة، كما صدر بلاغ رئاسة مجلس الوزراء /١٩٧٠/ للحد من طغيان الأسماء الأجنبية على المحال العامة والخاصة وصدر المرسوم الجمهوري /٧٥٩/ تاريخ ١٩٨٣/٦/١٠ ينص على تدريس اللغة العربية في المرحلة الجامعية الأولى في جميع سنوات الدراسةفي الكليات والمعاهد العليا في الجمهورية العربية السورية فيما عدا قسمي اللغة العربية والسنة الأخيرة في كلية الطب البشري و رغم العديد من الإجراءات إلا أنها لم تؤدّ إلى تحقيق الأهداف المرجوة، ولهذه الأسباب مجتمعة صدر القرار الجمهوري رقم /٤/تاريخ ٢٠٠٧/١/٢٦ بتشكيل لجنة التمكين للغة العربية والمحافظة عليها بإتقانها والارتقاء بها.
اليوم مطلوب من كل فرد استكمال هذه الجهود وأن نكون على مستوى اهتمام قائد الوطن باللغة بتجسيدها انتماءً وعملاً وأداءً.