الثورة أون لاين – سامر البوظة:
على مر العصور، والواقع العربي والإسلامي يعيش تحت وطأة الحروب والاستعمار ، حروب كانت تستهدف بالدرجة الأولى إلى جانب احتلال الأرض ونهب خيراتها وقدراتها ، تاريخ العرب وهويتهم وثقافتهم ووجودهم ، فلطالما كان الغزو الفكري هو أحد أذرع الاحتلال العسكرية التي استخدمها المحتل لإحكام سيطرته ونفوذه على المنطقة عبر اللعب على المصطلحات وقلب القيم والأفكار لتغيير العقول ، وفرض مفاهيم وقيم جديدة مكان القيم الأصلية ليتمكن من النيل من الشعوب المستهدفة وتفكيكها من الداخل وإضعاف قدرتها على الصمود ، وبالتالي يسهل السيطرة عليه ويستطيع ترسيخ احتلاله .
والمتابع للصراع العربي مع العدو الصهيوني، ومن ورائه الغرب الاستعماري الذي زرع هذا الكيان الغاصب في جسد الأمة العربية لتفتيتها والقضاء عليها ، يدرك ذلك ، فإلى جانب العدوان العسكري كانت الحرب على العقيدة والقيم والثوابت والأفكار ، واستخدمت خلالها عشرات بل المئات من المصطلحات لتزوير الحقائق وتشويهها وتزييف التاريخ ، لتغيير القناعات والمفاهيم .
الأمر ذاته الذي شاهدناه ولمسناه خلال الحرب الظالمة التي شنت على سورية منذ ما يقارب العشر سنوات ولا تزال ، حيث عملت منظومة العدوان الغربية جاهدة منذ اللحظة الأولى لتكريس هذا الغزو الفكري والثقافي عبر أدواتها الإرهابية من خلال استهداف القيم المجتمعية والرموز التاريخية والأوابد الحضارية والدينية ، بالإضافة إلى نهب الآثار وتدمير المتاحف والمعالم التي تذخر بتاريخ طويل من الحضارة الإنسانية ، والهدف كان واضحاً وهو تدمير فكرنا وثقافتنا وتغيير عاداتنا وقيمنا التي تعتبر من المسلمات لدينا واستبدالها بقيم وثقافات غربية هجينة بعيدة كل البعد عن قيمنا ومبادئنا العربية الأصيلة التي تربينا عليها ، ناهيك عن محاولة طمس هويتنا التاريخية والحضارية التي تمتد لآلاف السنين ، وهو ما يفتقده الغرب المستعمر عموماً ويزعجه .
استهدفوا اللغة وبدؤوا يزورون الحقائق والتاريخ ، وعملوا على قلب المصطلحات وتغيير العقول لينالوا مبتغاهم، ألا وهو الانهيار الاجتماعي والأخلاقي والديني والأسري ، ومن أجل ذلك حشدوا كل إمكانياتهم وقواهم وأنفقوا المليارات في سبيل تحقيق ذلك للوصول إلى هدفهم الرئيسي الذي عجزوا عن تحقيقه بالطرق التقليدية ، وهو الانهيار السياسي .
وإلى حد بعيد نجح العدو في تحقيق أهدافه ، عبر سلب العقول وتزوير الحقائق وتغيير بعض القيم والقناعات والمفاهيم لدى البعض ، فالانتماء إلى الإسلام أصبح إرهاباً ، والمقاومة أصبحت عنفاً ، والدفاع عن الأرض والمقدسات أصبحت اعتداء، ومن خلال ضرب المسلمات والقيم كان من الواضح أنهم يريدون أن يصلوا إلى دمج المفاهيم وإلغاء الحدود والفوارق فيما بينها ، فالخير يصبح كالشر والفاسد كالشريف والظالم كالمظلوم والمعتدي كالمعتدى عليه والمحتل كصاحب الحق ، وهذا ما يريدون أن يصلوا إليه .
فالفكر إذاً هو المستهدف ، وعندما تضرب تلك المسلمات والقيم يصبح الإنسان في حالة ضياع ويفقد بوصلته ، فتسهل السيطرة عليه ، لذلك لجأ الغرب إلى التركيز على هذه النقطة من خلال محاولاته المستمرة التغلغل في الداخل عبر سعيه لتسويق أفكاره ونهجه تحت عناوين وشعارات براقة ، هو يفتقدها في الأساس كالحرية والديمقراطية وغيرها من الشعارات الكاذبة والمخادعة للوصول إلى أهدافه .
والسيد الرئيس بشار الأسد خلال كلمته الهامة في جامع العثمان قبل أيام ركز على تلك النقطة ، لا بل استفاض في شرحها عندما أشار إلى “الليبرالية الحديثة” ، مبرزاً أهدافها وغاياتها التدميرية على المجتمع وعلى منظومته الفكرية والعقلية ، مشدداً في الوقت نفسه على أن ما يحدد قدرة المجتمعات على مواجهة العواصف الهدامة هي عوامل الاستقرار وتحصينه من الاختراقات الفكرية ، وأن الكثير من المسلمات التي تمثل القيم والعادات والتقاليد والمفاهيم التي يبنى عليها المجتمع لا بد من تمتينها .
إذاُ وفي ظل الهجمة الشرسة التي نتعرض لها والتي تستهدف وجودنا وتاريخنا وحضارتنا ، نحن مطالبون أكثر من أي وقت مضى يتحصين أنفسنا ومجتمعنا بكافة السبل ، فعندما تكون الأمة مهددة في ثوابتها وثقافتها وأرضها وسيادتها لابد حينها أن نسخر كل الإمكانات والطاقات للدفاع عنها ، وهذا الأمر لا يتم إلا بتحصين العقل والفكر من الاختراق ونبذ أي أفكار أو قيم غريبة وبعيدة عن عقيدتنا وقيمنا ، والتمسك بثوابتنا ومبادئنا العربية الأصيلة وتمتينها ، لأنها المرجع وهي الضمان