الثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
على غرار أي حدث جرى إبان الحرب الأميركية الطويلة الأمد في العراق، يبرز العفو الذي أصدره ترامب عن أربعة مدانين كانوا يعملون لصالح شركة المقاولات الأمنية الخاصة بلاك ووتر، تباين وجهات النظر داخل الأروقة الأميركية.
إذ يرى العديد بأن الحادثة التي جرت في ساحة النسور في بغداد بتاريخ 16 أيلول عام 2007 ليست سوى نموذج مصغر عن حرب عبثية وغزو غير مدروس بدأ عندما ضللت الإدارة الأميركية شعبها، وقد أفصحت تلك الحادثة عن افتقاد الأميركيين للبوصلة الأخلاقية التي تاهت عندما رفعوا السلاح وتمتعوا بالحصانة في ظل اعتناق ثقافة غريبة بمنطقة خطرة، فيما يرى آخرون بأن تلك الأحداث لم تكن إلا المثال عن حرب عادلة رهن الأميركيون فيها حياتهم من أجل القضاء على الخصوم فأصابهم ما أصابهم كما هي حال الحراس الأربعة.
لقد أفضى عفو الرئيس ترامب عن العناصر الأربعة يوم الثلاثاء الماضي إلى العديد من المشاحنات، ووُجهت لأولئك العسكريين القدامى اتهامات بارتكاب مجزرة بحق 14 مدنيا في هجوم غير مبرر عبر إطلاق النار والقنابل اليدوية في ذلك اليوم في العاصمة بغداد، وقد قال ممثلو الادعاء الفيدراليون الأميركيون إنه كان من بين أولئك القتلى طالب طب ووالدته، ورجل أصيب برصاصة في صدره كان يرفع ذراعيه في الهواء، بالإضافة إلى إصابة امرأة عند انفجار قنبلة قذفها أحد عناصر الشركة مطلقا الرصاص على مدنيين داخل مركبة كانت تسرع للفرار من المكان.
وقال المدعي العام الأميركي في ولاية كولومبيا جيفري تيلور الذي أعلن عن لائحة اتهام تتألف من 35 تهمة أصدرتها هيئة المحلفين العليا وفقا لتقرير نشرته ذي واشنطن بوست عام 2008 لم يكن أي من ضحايا المجزرة يحمل سلاحا.
أما في بغداد حيث تُذكر حادثة بلاك ووتر بأنها ليست سوى فصل أسود إبان الاحتلال الأميركي فإن خبر العفو قوبل بسخرية ولم يثر أي دهشة لدى العراقيين، وفي هذا السياق، قال زميل الدراسة السابق لأحمد هيثم أحمد الربيعي الذي قضى في المجزرة: “نعلم علم اليقين بأن أولئك القتلة سيفلتون من العقاب بطريقة أو بأخرى حتى لو جرت إدانتهم، فإصدار حكم العفو كان أمرا حتميا”، وعلقت وزارة الخارجية العراقية على الأمر بالقول: “ندين ذلك العفو على المستوى الدولي” ووصفت العفو بأنه: “لا ينسجم مع إعلان الإدارة الأميركية عن الالتزام بقيم حقوق الإنسان والعدالة وحكم القانون، فهي للأسف تتنكر لكرامة الضحايا ومشاعر ذويهم وحقوقهم”، وصرحت الحكومة العراقية بأنها ستطلب من واشنطن “إعادة النظر بالقرار المنوه عنه”.
وقالت منظمة حقوق الإنسان في تصريح لها أن تصرف ترامب يشي “بازدراء لسيادة القانون، ذلك أن عائلات الضحايا كانوا قد لمسوا قدرا من تحقيق العدالة عندما وُجهت التهم للمتعاقدين الأربعة عام 2014، أما الآن فسُحقت تلك العدالة بجرة قلم”.
أما في الجانب الآخر، فقد نُظر للعفو على أنه تبرئة مستحقة إذ كتب محامي أحد العناصر في رسالة الكترونية: “نشعر بالسعادة والامتنان للعفو الرئاسي عن داستن هيرد، لأننا نؤمن ببراءته ولن نتنازل عن السعي لتحقيقها، ذلك أنه خدم بلده بإخلاص وسينعم أخيرا بالحرية التي يستحقها”.
وبعد رفض القاضي الفيدرالي التهم الأولية المنسوبة للحراس عام 2009، أعلن نائب الرئيس آنذاك جو بايدن بأن إدارة أوباما ستعيد المحاكمة، وأُطلق عليه في وسائل الإعلام المحافظة باسم “بايدن فور”- “أربعة بايدن”- من جراء مواصلة اهتمامه بهذه القضية.
في العام الماضي، نُظر إلى الأحكام الصادرة بالسجن 30 عاما بتهم القتل غير العمد الموجهة للعناصر الأربعة على أنها ظالمة، لذلك صدرت أحكام جديدة مخففة على ثلاثة من الرجال، فصدر قرار بسجن العريف السابق في البحرية هيرد مدة 12 عاما وسبعة أشهر، والرقيب السابق في مشاة البحرية إيفان ليبرتي مدة 14 عاما، والرقيب السابق في الجيش والحرس الوطني بول سلو مدة 15 عاما، أما الرقيب السابق في الجيش نيوكلا سلاتين، الذي اتهم بارتكاب جريمة قتل من الدرجة الأولى، فقد حكم عليه بالسجن مدى الحياة.
في الحين الذي كان المتهمون الأربعة يتوجهون إلى المحاكمة كانت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش –التي شنت الحرب وأتاحت مضاعفة أعداد المقاولين الأمنيين غير الحكوميين- قد انتهت ولايتها وحلت محلها إدارة أوباما، وعندما شرع بوش بسحب القوات الأميركية التي بلغ عددها 170 ألف جندي عام 2007 من العراق عمد إلى الاستعانة بمقاولين أمنيين خاصين، وخلال فترة ترشح الرئيس باراك أوباما للرئاسة تعهد في حملته الانتخابية بالإسراع في إنهاء العمليات العسكرية الأميركية، وعهد إلى جو بايدن أمر المفاوضات مع الحكومة العراقية.
وفي ذلك الوقت كشفت تقارير عدة عن إساءة المقاولين التصرف مع المدنيين العراقيين ومع ذلك فإنهم أفلتوا من العقاب، وكان العديد من أولئك المقاولين ينتسبون إلى شركة بلاك ووتر التي تعاقدت مع وزارة الخارجية لحماية الدبلوماسيين الأميركيين، وقد ترافق اسم الشركة ومؤسسها إريك برنس مع روايات تحكي رعونة وطيش حراس الأمن الخارجيين ومعظمهم من قدامى المحاربين العسكريين الأميركيين.
اعترى القادة العراقيين الغضب العارم نظرا لقيام إدارة بوش بمنعهم من مقاضاة مقاولي بلاك ووتر، ولكن بعد أسابيع عدة من رفض التهم الأميركية المتعلقة بهذه القضية، عبر بايدن عن امتعاضه قائلا بأن الإدارة الأميركية ستعيد محاكمتهم، ورأى العديد من مؤيدي تلك الخطوة بأنها إجراء لاسترضاء الإدارة العراقية.
وقد وصفت وسائل الإعلام اليسارية أولئك الرجال بالمرتزقة والقتلة ووجهت الإدانة لبلاك ووتر بصورة عامة، ومن ثم انتقلت القضية المستأنفة إلى المحكمة الفيدرالية وأفضى ما حدث في ساحة النسور إلى مشاحنات ومشادات، ولاسيما أن القافلة التي مرت في الساحة وتحمل حراس بلاك ووتر قد فتحت النار على سيارات مدنية لم تشكل تهديداً لأي جهة وقد وصل عدد السيارات والمركبات المتضررة إلى 18 سيارة تقريبا.
وفي هذا السياق، قال مساعد مدير مكتب واشنطن التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي جوزيف بيرشيني: “لقد تجاوز المتهمون القيم الأساسية التي نص عليها دستور الولايات المتحدة، وضربوا صفحا عن الالتزام بالقانون واحترام حياة الإنسان”.
المصدر: واشنطن بوست