ثقافة الحوار وفلسفته

الملحق الثقافي – د. غسان صالح عبد الله :

إن ثقافة الحوار هي حاجة مهمة للتعرف على ثقافات الآخرين والخروج من الظلام الفكري، والثقافة هي آخر ساحات الهجوم، وأخطر خطوط الدفاع، ونحن بحاجة لحوارٍ ينطلق من الذات الإنسانية وخصائصها، وبمبادرة تجاه الآخر، ومن أجل تحقيق توازن في الرؤية وهو أساس الفاعلية، فمن الصعب القول بأن لدينا ثقافة واحدة، ويوجد خلل واضح بين هذه الثقافات.
لكن، هناك تقاطعات أهمها، الانتماء للوطن “مصلحة الوطن فوق كل مصلحة” وإذا ما استطعنا تنمية هذا الجانب، واعتبار كل ثقافة هي جزء من مكوّن عام، لا يجوز اغتصاب حق مكون أبداً، لأنه أصبح هناك هاجس وخوف عند الأقليات من مصادرة حقها وفرض رؤية الكتل الكبيرة عليها بالقوة، فالمطلوب تفعيل دور كل مكونات الوطن في إطارٍ شامل لتجاوز المحنة والانتصار على المؤامرة.
إن تحليل خصوصيات كل ثقافة، يحسم الإجابة إذا كانت هذه الثقافة أو تلك تلتقي مع القيم والمبادئ الوطنية النبيلة، وإن آليات التفاعل بين الآراء والثقافات المختلفة سوف تحدد مستقبل البلد ومكانته، وتأسِّس لحوارٍ حقيقي، فالعلاقة بين النظم الضابطة لهذه الثقافات، ليست منفصلة انفصالاً تاماً عن بعضها، وإن كلاًّ منها يعبِّر عن مزيجٍ من الملامح المحلية “الذاتية” ونمطية العلاقة بين المكونات، ويكون لها تأثير متبادل بين الثقافات والعادات والتقاليد والموروثات.
لذا، يجب أن يعمل الحوار على إزالة الحواجز والعقبات بين مكونات الدولة، ليس من الناحية الطائفية فحسب، وهي الأخطر طبعاً، ولكن من النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية حيث تسود علاقات التعاون والمشاركة وتنظيم هذه العلاقات على مختلف المستويات، وذلك لزيادة التفاعل بين الناس واعتبار الوطن هو الغاية والهدف، لا أن نسمح للعدو أن يحقق غايته وهدفه، ونصبح أدوات تكفير وقتلٍ لبعضنا البعض، وهذا ما أرادته لنا الدول التي تآمرت علينا وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وممالك الخليج وطموحات السلطة العثمانية التي تدفقت إليها الأموال بسخاء من دول الخليج، فقامت بفتح حدودها لجموع الإرهابيين، ودربتهم وسلحتهم وقامت بسرقة النفط والآثار والمعامل، وكل ما وصلت إليه يد الإرهابيين.
قال أحد المسؤولين الإسرائيليين: “إن رجب طيب أردوغان، لا يزال يثير الخراب في سورية، ولو كانت إسرائيل لجأت إلى القنبلة النووية لما دمرت سورية بهذا الشكل”.
رغم ما آلت إليه الأمور، فإنني أجد درجة التمسك بالوطن مرتفعة جداً، لذلك يجب أن نؤسِّس للانتماءِ الإيجابي، ونعترف بأن إقصاء الآخر وقهره وإلغاءه، كان من أهم الأسباب لما نعيشه الآن.
إن الثقافات تظهر دائماً بشكلٍ جلي داخل الحروب، وهي جزءٌ منها أو تسير على موازاتها، وعبر نشرها في مسالك غير مرئية أو بالأحرى مرئية، على المدى البعيد وبمنظار التأريخ للمدد الطويلة.
لذلك فإن دراسة خبرات التاريخ وما يجري الآن، قد تساعد في بلورة منهجٍ للنظر في طبيعة الثقافات وفضاءاتها، فثمة دروس من التاريخ يمكن أن تساعد على حسن النظر، وتلمس أبواباً تخرجنا من الأنفاق التي قفلنا أبوابها على أنفسنا بأقفال من المسلمات التي صغناها بمسلماتٍ، هي أشبه بالطلاسم تُغلق ولا تفتح.
إن فلسفة الحوار، هي البحث عن المشتركات العامة والجوهرية والحية بين مكونات المجتمع، وفي حقول الثقافة والفلسفة والفنون والقانون والسياسة والاقتصاد والتربية والاجتماع، وكذلك في مجالات العدالة والحريات وحقوق الإنسان، ولتعميق هذه الفلسفة واتِّساعها، تتأكد الحاجة إلى الانتقال المنهجي والمعرفي، من النظر العام لقضية الحوار، إلى النظر الخاص والمتخصص في المشتركات، ولا بدّ في مرحلة لاحقة من الحوار وتكوين التصورات حسب النتائج التي نتوصل إليها.
إن مجلس استنبول والمجالس التي تشكّلت خارج الحدود، والتي تديرها المخابرات الاميركية والإسرائيلية والتركية والخليجية، لم تُشكَّل من أجل إدارة حوار وطني، بل لقيادة عمليات القتل والإرهاب والضغط على القيادة السورية، ونحن نعرف كيف جيء بـ “غليون” وغيره مقابل دفع رواتب خيالية لإدارة هذه المجالس أو الائتلافات، وقد تبين لاحقاً أن هذه المجالس لا حول لها ولا قوة إلا لما يمليه عليها مشغلوها حتى بالمعارك الدائرة، لأن الإرهابيين تقودهم جهات أو دول هي مشغلة هذه المجالس، وهي متحكمة بالجميع، ورواتبهم جميعهم مصدرها واحد. أي أن الإرهابي يوازي عضو ائتلاف، وقد ظهر فشل المبعوثين الأمميين جميعهم في كسر إرادة القتال عند الإرهابيين، لأن مشغِّليهم غير موافقين، وكل المبعوثين يحاولون الالتفاف على الدولة السورية لانتزاع المزيد من التنازلات لصالح الإرهابيين ومن يدعمهم، وقد استمات المبعوثون الدوليون لتشكيل لجنة لمناقشة الدستور تشارك فيه جميع المجالس والائتلافات والمعارضات المرتبطة بالخارج، لذلك يجب على الدولة وكافة الأحزاب الوطنية، أن تسارع إلى حسم أمر التحاور بشكل جاد، تحت سقف الوطن، ودون إقصاء أحد من الأحزاب الوطنية، والوطنية المعارضة، واعتبار الإرهابيين ومن يقودهم ويموِّلهم ويدرِّبهم، خارج نطاق البحث أو التحاور، لأنهم ومشغِّليهم قرَّروا منذ بداية الحرب على سورية تفكيكها إلى كياناتٍ أسوأ من سايكس -بيكو، أو ولادة دستور مسخ يكون لهم القرار الكبير فيه.
يجب علينا أن لا نكون شهود زور على تدمير سورية، وإذا كنا نحبها ونريد لها الحياة فلنكن صادقين في أقوالنا وافعالنا، ولا نحاول الالتفاف وربط أنفسنا بالأوهام، فبمقدورها أن تعود إلى وضعها الطبيعي، وإلى قيادة العالم العربي من جديد، إذا ما وحَّدنا رؤانا للخروج من عنق الزجاجة التي وضعنا سورية فيها، ويجب أن نعتبر إذا كان لدينا لبّ أو عقل، بأن الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكافة المنظمات الدولية، تسير بمشيئة صهيو-أميركية، وإذا ما نظرنا إلى الوراء نشاهد كيف دمرت فلسطين والعراق ولبنان واليمن وليبيا، وقسم السودان وانتشر الإرهاب في كل مكان من عالمنا العربي.
نواجه اليوم أعظم الحالات خطراً على وطننا ومجموعنا، وما سمِّي ب-الربيع العربي- كان مدخلاً لنشر الفوضى ومن ثم القتل والتدمير في سورية، فنحن أمام الطامعين والمعتدين في موقفٍ، يترتب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما الحياة أو الموت، وأي نتيجة حصلت لنا نحن المسؤولين عن تبعاتها.
وعينا لطبيعة الخطر الإرهابي والداعمين له، يجب أن يكون وعياً شاملاً للتحدي وللردِّ عليه، وإن خطرهم لا ينحصر على أقلية او اثنية بعينها، بل هو خطر على جموع الشعب السوري كله.
إن أهمية الوعي الوطني الذي يحرك مشاعر الحب والولاء للوطن، يفرض علينا النضال الشامل، وإذا ما شابته العشائرية والعنصرية والطائفية وحكم الطبقات الرجعية، مصيره الفشل والهزيمة. لذلك، يجب أن تكون غاية الجميع وهدفهم، إسقاط الآمال الصهيو-أميركية الرجعية والعثمانية، بكل إفرازاتها الكيانية والطائفية والعنصرية والطبقية والفردية، وخلق إنسان جديد ودولة جديدة على أسس وطنية، والوقوف خلف الجيش السوري لتحرير سورية كاملاً من الإرهاب والاحتلالات، وتثبيت سيادتها، ورفع الأحقاد الطائفية والعشائرية والعنصرية وغيرها.
الحوار الوطني هو مخرجنا السليم، فلنتحاور بنفوس سورية راضية، همُّنا وهدفنا وحدة الأراضي السورية والقضاء على الإرهاب.
أيضاً، ليكن شعارنا “مصلحة سورية فوق كل مصلحة” لأن ذلك يعود بالفائدة للشعب، وإن سورية تمثل لنا شخصيتنا وحياتنا ومواهبنا المثلى، وعزنا وكرامتنا، وهي لنا فوق كل اعتبارٍ فردي وكلّ مصلحة جزئية .
إن عملية بناء مؤسسات الدولة الحديثة تقع على كاهل نخبها السياسية والثقافية، فكلما كانت النخبة واعية لماهية العمل السياسي ومصالح المجتمع، كلما عمدت لبناء دولة حديثة يرتقي نظامها لمصاف الدول المتقدمة حضارياً، والمتَّخذة من الإنسان غاية، وليس وسيلة لتحقيق المصالح.
 كاتب وباحث

29-12-2020
رقم العدد 1026

آخر الأخبار
إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية مصادرة ١٠٠٠ دراجة نارية.. والجمارك تنفي تسليم قطع ناقصة للمصالح عليها إعادة هيكلة وصيغ تمويلية جديدة.. لجنة لمتابعة الحلول لتمويل المشروعات متناهية الصِغَر والصغيرة العقاد لـ"الثورة": تحسن في عبور المنتجات السورية عبر معبر نصيب إلى دول الخليج وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى