الثورة أون لاين:
المقاومة ليست ترفا ، ولاهي منة من الشعوب لأوطانها ، هي كل الحياة التي تعني الحرية والكرامة والقدرة على الفعل الخصب الذي يبني الحضارات ، لم يعرف التاريخ مرحلة من مراحل تطوره ونضاله إلا وكان الأدب المقاوم فيها الهوية والعنوان ، أدبنا العربي ثرٌّ غني بهذا اللون من الفعل الإبداعي ، أدى الأدب دوره تماماً لكنه في مرحلة ما أخذ منحى آخر ، هام في تهويمات الغرب ، ونسي أن الغرب كان يقاوم بالحرف والشعر ، إن التيارات التي صدرها إلينا لم تكن غايتها إلا أن تحرف المقاومة عن مجراها من الحرف إلى الطلقة .
وحسب ما يقوله الدكتور غالي شكري في كتابه أدب المقاومة :
(وإذا عدنا مئات السنين إلى التراث اليوناني نطالع صورة أخرى للصراع البطولي الخارق بين الإنسان والكون ، كما أبدعتها القريحة الإغريقية في اسطورة «سيزيف» هذا البطل الذي حكمت عليه الآلهة أن يرفع الصخرة إلى قمة جبل عال ما إن يصل إليها حتى تتدحرج الصخرة لتهوي إلى السفح فيرفعها من جديد لتسقط من جديد وهكذا إلى ما لا نهاية ، لقد اتخذ ألبير كامي من هذه الأسطورة العظيمة محوراً فكرياً لنظريته في «عبث الوجود الإنساني» بالرغم من أنها لا تختلف عن قصة همنغواي من حيث الجوهر في أنها تجسيد عميق للصراع الأبدي بين الإنسان والظروف المحيطة به ، نقطة الخلاف بين «العجوز والبحر» والأسطورة الإغريقية أن همنغواي لا يجعل من الصراع الإنساني قدراً غيبياً أو عقاباً من الآلهة وإنما يراه جزءاً لا يتجزأ من طبيعة العلاقة الدينامية بين الإنسان والكون ، علاقة التفاعل بين الجنس البشري والوجود المحيط به ، أما العقل اليوناني القديم فقد رأى في هذا الصراع «نتيجة» للخطأ في حق الآلهة ، لا سبباً للحياة بكل ما تحتويه من تناقضات تحتدم فيما نسميه صراعاً ، وما هو إلا الحياة في انبثاقها واستمرارها وصيرورتها اللانهائية) .
اليوم يكتشف كتابنا وأدباؤنا أن فعل المقاومة يبدأ من الحرف إلى كل ما في الحياة ، ولئلا يقول أحد ما : إن الغرب لم يعرف مثل هذا اللون من الأدب المقاوم نذكرهم بما كتبه ايلوار ، وقد صار أنشودة خالدة أبد الدهر :
بول إيلوار .. على دفاتري المدرسية
على دفاتري المدرسية ،
على قمطري وعلى الأشجار ،
على الرمال على الجليد
أكتب اسمك .
على كل الصفحات المقروءة ،
على كل الصفحات البيضاء ،
والحجر والدم والورق أو الرماد ،
أكتب اسمك .
على الصور الذهبية ،
على أسلحة المحاربين ،
على تاج الملوك ،
أكتب اسمك .
في الأدغال والصحراء ،
على صدى طفولتي ،
أكتب اسمك .
على روائع الليالي ،
على خبز النهار الأبيض ،
على الفصول المخطوبة ،
أكتب اسمك .
على كل خرقي اللازوردية ،
على البركة ، الشمس العفنة ،
على البحيرة ، القمر الحي ،
أكتب اسمك .
على الحقول ، على الأفق ،
على أجنحة الطير ،
على طاحونة الظلال ،
أكتب اسمك .
على كل نفحة فجر ،
على البحر ، على المراكب ،
على الجبل المجنون ،
أكتب اسمك .
على زبد السحب ،
على عرق العاصفة ،
على المطر الكثيف المائع ،
أكتب اسمك .
على الأشكال البراقة ،
على أجراس الألوان ،
على الحقيقة المادية ،
أكتب اسمك .
على الطرقات المستيقظة ،
على الطرقات المنبسطة ،
على الميادين الفياضة ،
أكتب اسمك .
على المصباح المشتعل ،
على المصباح المنطفئ ،
على دياري مجتمعة ،
أكتب اسمك .
على الثمرة المقسمة إلى اثنين ،
ثمرة مرآتي وغرفتي ،
على فراشي ، القوقعة الفارغة ،
أكتب اسمك .
على كلبي الشره الحنون ،
على أذنيه المستقيمتين ،
على قدمه المتعثرة ،
أكتب اسمك .
على لوح بابي ،
على الأشياء الأليفة ،
على موجة النار المباركة ،
أكتب اسمك .
على كل جسد ممنوح ،
على جبهات أصدقائي ،
على كل يد ممدودة ،
أكتب اسمك .
على زجاج المفاجآت ،
على الشفاه المتنبهة ،
فوق الصمت بكثير ،
أكتب اسمك .
على مرافئي المهدمة ،
على مناراتي المنهارة ،
على جدران مللي .
أما آراغون الذي غنى الحرية والنضال لشعوب العالم فيقول :
حديث معتق يحمل كنوزاً وحكم ..
أتيت بالجديد الجميل المؤثر
تحيتي لك وصباحك ورد :
في السماء الرمادية ذات الملائكة المصنوعة من خزف
في السماء الرمادية ذات النحيب المختنق
تذكرت تلك الأيام في مايانس
في الراين الأسود كانت تبكي الحوريات
كانوا يجدون أحياناً في قاع الأزقة
جندياً صرعته ضربة خنجر
كانوا يجدون أحياناً هذا السلام القاسي
على الرغم من نبيذ الجبال الأبيض
شربت الخمر الرائعة بالكريز
شربت العهود المتبادلة في همس
كم كانت القصور والكنائس جميلة
كنت في العشرين من العمر لا أفهم
ماذا كنت أعلم عن الهزيمة
عندما يكون وطنك حباً محرمًاً
عندما يلزمك صوت الأنبياء المزيفين
لتعيد الحياة للأمل الضائع
إني أذكر الأغنيات التي تطوقني
إني أذكر علامات بالطباشير
يكتشفونها في الصباح على الجدران
دون أن يستطيعوا حل رموزها
من يستطيع أن يقول من أين تبدأ الذاكرة
من يستطيع أن يقول متى ينتهي العهد الحالي
عندما يلحق الماضي بالأغنية العذبة
عندما يصير الحزن ورقة أصفر لونها
كالطفل فوجئ وسط أحلامه
نظرات المنتصرين الزرقاء مقلقة
وخطوة الجنود في نوبة الحراسة
يئن لها السكون المخيم