مع بداية الإعلان عن سعي وزارة الزراعة لإقامة سلسلة ورشات عمل تخصصية على مستوى المحافظات بهدف مشاركة جميع الجهات المعنية بالنشاط الزراعي من مؤسسات عامة وقطاع خاص وفلاحين لصياغة أفكار ورؤى تسهم في تطوير القطاع الزراعي والنهوض، فإن أول ما يمكن قوله حول هذه الخطوة أنها خطوة متقدمة وفي غاية الأهمية لعدة أسباب، لعل أولها تجسيد مقولة النهج التشاركي في التفكير والتخطيط والعمل، إضافة إلى الحوار المباشر مع المعنيين بالنشاط الزراعي والتفاعل معهم، لاسيما لجهة الاستفادة من الملاحظات والمقترحات والأفكار بدلاً من وضع الخطط واتخاذ القرارات على طريقة الاستشعار عن بعد، الأمر الذي يجعلها تظل حبرأ على ورق، بدءاً من تنفيذ الخطة الزراعية، مروراً بتطوير أساليب العمل الزراعي، وصولاً إلى كل المشكلات المزمنة المتعلقة بالري الحديث وتدني الإنتاجية وسوء استخدام مستلزمات الإنتاج، وأيضاً سوء استعمالات الأراضي الزراعية.
والأمر الآخر الذي يعطي هذه الخطوة قيمة إضافية هي أن التطورات الاقتصادية في العالم كله تقتضي إعادة تقييم لكل المراحل السابقة للوقوف على جوانب القصور في الأداء وإعادة النظر في كل السياسات المتبعة، وإجراء تقييم شامل لكل الموارد (الطبيعية والبشرية) لتحديد مدى مساهمتها في الاقتصاد الوطني وتلافي الخلل الحاصل، واعتماداً على ذلك توضع الخطط المناسبة للارتقاء بالنشاط الاقتصادي لمواكبة هذه التطورات.
يضاف إلى ذلك أن هذه الخطوة تعكس الفهم الصحيح لما يجب أن يتم على صعيد مواكبة العلم، لأنه مع العلم والأبحاث استطاع الإنسان في الدول المتقدمة أن يتغلب على التحديات التي تواجه النشاط الزراعي ويُكيف الأرض باستصلاحها للزراعة، واستطاع زراعة المناطق الجافة شديدة الملوحة بتوفير المياه لها والأشجار التي تناسب بيئتها. ووصل الإنسان بالعلم أيضا إلى استخدام المياه فقط للزراعة من دون الحاجة إلى وسط ترابي، وهو ما يعبر عنها بالزراعة المائية.
ووفقاً لبرنامج عمل وزارة الزراعة فإن الحسكة ستشهد ورشات عمل في هذا السياق بحضور وزير الزراعة بعد أن تم تحديد الأهداف والنتائج المأمولة ومحاور العمل، وهي مناسبة وفرصة للوقوف عند التحديات التي تواجه النشاط الزراعي في الحسكة ومحطة لتشخيص هذه التحديات وما هي نقاط القوة ونقاط الضعف في النشاط الزراعي بالحسكة.. وهل هناك رؤية موحدة للجهات المعنية والمؤسسات ذات العلاقة حول واقع الحال والصعوبات، وربما الأكثر أهمية هو: هل هناك تصورات واضحة لتوفير المتطلبات الأساسية، التي تسهم في إعادة الحياة للقطاع الزراعي؟.
إن القاعدة الأساسية التي يجب أن تنطلق منها هذه الملتقيات على مستوى المحافظات ثم على مستوى القطر عبر ورشة عمل مركزية تخصصية تتحول إلى مؤتمر زراعي نوعي هي أن نجعل جميع الناس يشعرون بالأمان بشأن الغذاء الذى يحتاجونه، فالحصول على الغذاء يشمل الكثير من الخطوات، وعلينا أن نفهم من أين يأتي غذاؤنا، حتى يمكن أن نتخذ القرارات السليمة بشأن الطريقة التي يمكن أن نوفر بها هذا الغذاء، وعلينا أن نتذكر دائماً أن أكثر من 60 بالمئة من مجتمعنا هو مجتمع يعتمد على الزراعة ويعيش في مناطق ريفية وأن الزراعة هي أساس الاقتصاد السوري، ومما يجب أن نتذكره دائماً ولا ننساه أيضاً أنه رغم الظروف الصعبة وكل ما تعرضت له سورية من تدمير للمؤسسات وقطع لشرايين الحياة فيها إلا أنه لا يمكن لأي متتبع لوقائع الحياة في العديد من المجالات إلا أن يقر بوجود عمل مستمر في الزراعة طيلة سنوات الحرب الظالمة على سورية. ومن هنا تأتي أهمية أن تتحول ملتقيات الزراعة إلى مؤتمرات نوعية ومختبرات تحليلية للمراجعة والتقويم والتأمل كي يتحقق المأمول منها، ولاسيما عندما تكون التحديات الحقيقية كلها تحت المجهر.
الكنز – يونس خلف: