الثورة – زهور رمضان:
تميز هذا العام بكثرة الحرائق التي لم تلتهم نيرانها مساحات كبيرة من حراج اللاذقية، وحماة، ومصياف، وجبلة، والغاب فحسب، بل امتد لهيبها ليترك جرحاً كبيراً تسبب في حصاد أرواح عمال الإطفاء والمتطوعين من المجتمع المحلي، هذا اللهيب الذي زرع الألم في النفوس والقلوب، هي حرائق اللاذقية التي اندلعت مؤخراً في شمال محافظة اللاذقية تحصد الأرواح من جديد.
بالأمس غادرنا علاء خضور من الغاب، واليوم يفارقنا أحد عناصر الدفاع المدني السوري، علاء جنجارو الذي استشهد وهو يشارك في عمليات الإطفاء للحرائق في ريف اللاذقية.
وداع أخير
في لحظات الوداع الأخيرة، تنهمر الدموع بغزارة وتعتصر القلوب حرقة وألماً على فراق زادهم إصراراً على المضي قدماً في حماية الغابة من النيران، كما ترتجف القلوب ألماً على من اختار طريق التضحية، علاء الذي شيّع بالأمس جثمانه بعدما ارتقى في الثاني والعشرين من أيلول متأثراً بالحروق البليغة التي أصيب بها خلال مشاركته الإنسانية في إخماد حرائق الغابات في ريف اللاذقية، ليدُفن في قريته عين الغزال، بعدما احتضنته الأرض التي أحبها وحماها حتى الرمق الأخير.
ويقول زملاؤه: على الرغم من أن علاء قد رحل، لكنه لم يغادر قلوبنا وعقولنا فقد ترك إرثاً من الإنسانية، وكتب وصيةً خالدةً تخاطبنا لنكمل المسيرة، لنحمي الوطن والحياة ونعيد بناء سوريا لكل أبنائها السوريين.
قبل فترة وجيزة، كان علاء جناورو بين زملائه من الدفاع المدني وهم يخمدون النيران، يحمل خرطوم الماء بيد، ويشدّ على أكتافهم بالأخرى، رغم الدخان الكثيف كان يضحك مع زملائه، و في قلب اللهب كان يوزّع الطمأنينة بينهم، قائلاً: “سنطفئها، كما أطفأنا غيرها، وسنحمي غابات سوريا”.
حلم أخير
علاء الذي كان حلمه النبيل أن يعيد بناء كل حجر في سوريا وإعادة زراعة كل شبر منها بالإضافة لحماية كل روح فيها، رحل مغادراً قلوباً يعتصرها الأسى والحزن وهو يسير في طريق الحلم ليبقى اسمه محفوراً في ذاكرة الوطن كبطل إنساني ضحى بحياته في سبيل حماية غابات بلاده الجميلة سوريا.
كان علاء كعهده دائماً في الصف الأول، لا يهاب النيران ولا يخاف من اللهب ولا يخشى الحريق ولا يلتفت للخطر، يعرف أن مهمته ليست سهلة كما يعتقد البعض ولا تتمثل في إخماد النار فقط، بل في حماية قدسية الحياة، وحراسة البيئة السورية من الاحتراق، بيد أن النار كانت أقسى هذه المرة، وأصبح علاء شهيد الواجب والحلم والإنسانية.
علاء قد رحل، تاركاً وراءه ثلاثة أطفال صغار يحتاجون للرعاية والحنان، تطوع قبل ثماني سنوات في الدفاع المدني السوري، وكرّس حياته لإنقاذ الأرواح، ومساندة السوريين، وتضميد جراحهم، لكن رفاقه مستمرون بالعمل والتضحية حتى إخماد النيران، وسيبقى الإرث الذي تركه من العطاء والتضحية جزء من تاريخ الدفاع المدني السوري وتضحياته.
ويؤكد زملاء علاء أن العزيمة لاتزال قوية، رغم فقدانهم لزميلهم، ورغم تحديات درجات الحرارة وانفجار مخلفات الحرب، وصعوبات الرياح والتضاريس، يواصل رجال الإطفاء عملياتهم لإخماد الحرائق الحراجية الضخمة في كل مكان من تراب الوطن.