المعتقلون المحررون محملون بذكريات لا تحتمل…. طبيب يحارب الصدمة بالصبر والأمل

الثورة – ناديا سعود:

على مدى أكثر من ثلاثة عقود، عاش الدكتور خالد سلطان في بريطانيا، وتخصص في الطب النفسي وأصبح استشارياً بارزاً في علاج الصدمات النفسية، لكن رغم نجاحه المهني في الغرب، ظل قلبه معلقاً بسوريا، البلد الذي غادره شاباً، والذي يعود إليه اليوم في زيارات محملة بالإنسانية والرسالة.

يصف الدكتور سلطان نفسه في حديثه لـ”الثورة”، أنه ليس ممن يحبون الحديث عن إنجازاتهم، لكنه لا يستطيع أن يخفي شغفه بمساعدة السوريين، وأن دوره كطبيب يتجاوز حدود العيادة ليصل إلى حمل الذاكرة الجماعية للضحايا ونقل صوتهم إلى العالم.

طبابة تطوعية

زيارة الدكتور سلطان الأخيرة إلى سوريا كانت ضمن حملة طبية تطوعية نظمتها منظمة “أكشن فور هيومانيتي” (Action for Humanity)، حملت اسم “حملة التعافي”، وشارك فيها 42 طبيباً من مختلف الاختصاصات، معظمهم سوريون مقيمون في بريطانيا والخليج، إضافةً إلى أطباء من الكويت، وليبيا، وحتى من جنسيات غير عربية.يضيف: على مدار أيام، أُجريت 32 عملية جراحية متقدمة في حمص، ودمشق، وحماة، وحلب، واللاذقية.. من تبديل المفاصل إلى جراحة القلب والعينية والجراحة العامة، فضلاً عن عشرات العيادات التخصصية في الجلدية والداخلية والعصبية، الطاقم بكامله تعدى 60 شخصاً، في حملة وصفها الدكتور سلطان أنها “متميزة واستثنائية”، لأنها جمعت إنسانيين من خلفيات مختلفة تحت راية واحدة: خدمة السوريين.

الطب النفسي الغائب الأكبر

يقول: الدكتور خالد سلطان اختصاصي الطب النفسي: أمضيت خمسة أيام في حمص، زرت مراكز علاج المرضى النفسيين، المشهد هناك كان صادماً، مدينة كبيرة مثل حمص لا تضم أي مستشفى للأمراض النفسية، المرضى يُعالجون في عيادات خاصة فقط. حالات الفصام والشديدة تُحتجز في أماكن أقرب إلى “مأوى للعجزة” بلا رعاية تخصصية، حيث لا يتوفر ممرضون، والطبيب يزورهم بالكاد نصف ساعة أسبوعياً. يضيف: في دمشق، كان الوضع أكثر مأساوية، حسب وصف زملائي الذين زاروا مستشفى ابن سينا للأمراض النفسية- المشيد منذ عام 1937- عادوا بصور تكاد لا تُصدق، 500 مريض ينامون على أسرّة حديدية بلا فرش، مبنى مهترئ، وغياب أبسط معايير الرعاية الإنسانية، هذا انهيار كامل للطب النفسي، مشدداً أن الجرح النفسي قد يستمر لعقود، خلافاً للكسور والجروح الجسدية.

محررو صيدنايا

من أبرز ما عايشه خلال زيارته، عمله في مركز افتتحته منظمة “سامز” لعلاج المعتقلين المفرج عنهم من سجن صيدنايا، الأرقام التي سمعها أذهلته: 1500 معتقل أُفرج عنهم بعد التحرير، 800 منهم في حمص وحدها. يشير الدكتور سلطان إلى أنه جلس مع ثماني حالات في يوم واحد، رجال ونساء، خرجوا من زنازين الرعب محملين بذكريات لا تحتمل، بعضهم لا يستطيع النظر إلى الضوء الأحمر، آخرون يفزعون من مجرد صوت قطرات الماء، أو من لمس عابر في حافلة، لأنها تعيدهم إلى تفاصيل التعذيب.

في حديثه، يكشف الطبيب عن أساليب تقشعر لها الأبدان.. كانوا يستخدمون منشاراً لقطع الأشجار، لكن في السجون كان يُستعمل لتقطيع المعتقلين أحياء، هذه الصور، كما يقول، لا تغيب عن ذهنه ولا عن ذهن آلاف الناجين الذين يحتاجون إلى علاج طويل.

تقنيات حديثة تمنح الأمل

بوصفه استشارياً في علاج الصدمات النفسية في بريطانيا، جرب د.سلطان مع الناجين تقنيات العلاج بحركات العين (EMDR)، وهي طريقة حديثة أثبتت فعاليتها عالمياً في محو الذاكرة الصادمة أو تخفيف حدتها، بعض الناجين بدؤوا بالفعل بالاستجابة، بفضل متابعات مع اختصاصيين محليين تحت إشرافه. لكن التحدي الأكبر برأيه هو غياب الكوادر، ففي حمص مثلاً هناك تسعة أطباء مقيمين في الطب النفسي، لكن بلا مستشفى تدريبي، لذلك يعمل الآن مع زملائه على إعداد برنامج تدريب محلي لتمكين الجيل الجديد من الأطباء السوريين من مواصلة الرسالة.

ما يسمعه الدكتور سلطان من مرضاه يترك أثراً لا يُمحى في نفسه، يتحدث بمرارة عن أولى زياراته لمخيمات اللاجئين عام 2012، حين كان يسير بين الخيام باكياً مما يسمع من قصص التعذيب والانتهاكات، حتى أنه عاد إلى بريطانيا مصاباً بكآبة لأسابيع، مشيراً إلى أن الأطباء النفسيين أنفسهم يتعرضون للاحتراق النفسي بسبب تراكم القصص المؤلمة. لذلك كان حظه أن وجد مدرباً بريطانياً يشرف عليه في جلسات “تفريغ” عبر الإنترنت بعد كل زيارة، وإلا لما استطاع الاستمرار.

المجتمع يجلد الضحايا

لا يكتفي الألم عند حدود السجن أو التعذيب، بل يمتد – كما يقول الدكتور سلطان، إلى نظرة المجتمع، كثير من الناجيات تُرفض من أزواجهن وأسرهن، ويُنظر إليهن وكأنهن “معيبات”، فيما الحقيقة أنهن ضحايا، بعض المعتقلين لا يصدقهم أهلهم عندما يروون ما جرى لهم.

المأساة أن البعض يجد معاملة السجن أرحم من معاملة المجتمع، يوضح الدكتور سلطان، داعياً الإعلاميين والاختصاصيين إلى نشر الوعي: لا نزيد ظلم الضحايا بوصمهم، مختتما حديثه: إن الثورة السورية وتجربته مع ضحاياها غيرت شخصيته بالكامل، قبلها كان يعمل مع مرضى التوحد والإعاقات الذهنية في بريطانيا، وهو عمل ضروري لكنه قليل النتائج، أما مع الحالات التي قابلها في سوريا، فقد وجد معنى آخر لعلمه: أشعر أن لي دوراً، أنني أُعيد جزءاً من دَيني لأهلي، هذا الشعور جعله أقوى وأكثر التزاماً، وعلى الرغم من كل ما عاناه من مشاهد وصور صادمة، يقول: لولا أنني صرت أقوى، ما كنت أستطيع الاستمرار.

آخر الأخبار
سقف السرايا انهار.. وسلامة العمال معلقة بلوائح على الجدران أبطال في الظل في معهد التربية الخاصة لتأهيل المكفوفين لماذا قررت أميركا تزويد أوكرانيا بعيونها الاستخباراتية لضرب عمق روسيا؟ ختام مشروع وبدء مرحلة جديدة.. تعزيز المدارس الآمنة والشاملة في سوريا شراكة مجتمعية لترميم مدرسة في الضمير إسرائيل تمنع 14 سفينة مساعدات لغزة وتثير انتقادات دولية "حماس" تدرس خطة ترامب.. والبيت الأبيض ينتظر الرد مبعوث جديد إلى سوريا.. فهل من دور؟ مقاومة المضادات الحيوية.. استراتيجية لمواجهة تهديد عالمي مشترك استراتيجية "قسد" في تفكيك المجتمعات المحلية ونسف الهوية الوطنية ملتقى التوظيف جسر نحو بناء مستقبل مهني لطالبي العمل خبير بالقانون الدولي: السلطة التشريعية الرافعة الأساس لنهوض الوطن وتعافيه السياحة تستقطب الاستثمارات المحققة للعوائد والمعززة للنمو الاقتصادي عبد المنعم حلبي: استعادة الثقة أهم أولويات البرلمان الجديد قروض حسنة بلا فوائد.. كيف نضمن وصول الدعم للمنتجين؟ مراكز دعم وتوجيه في جامعة حمص لاستقبال المتقدمين للمفاضلة تأهيل بنى تحتية وتطوير خدمات تجارية في "الشيخ نجار الصناعية" "مدينتي".. جامعة حلب تسهّل عملية حجز غرفة في السكن الجامعي "المخترع الصغير".. حيث يولد الإبداع وتصنع العقول مجلس الشعب مسؤولية وطنية لبناء دولة القانون