« الإرهاب المقدَّس» والصورة الصادمة للوحشية البربرية

 الملحق الثقافي:

يشير المفكّر والمنظّر البريطاني “تيري إيغلتون” في كتاب “الإرهاب المقدّس” الذي ترجمه “أسامة إسبر”، إلى أنه لا ينوي من كتابه هذا، إضافة ركامٌ هائل من الدراسات السياسية حول موضوع الإرهاب، وإنما يحاول تتبّع سلسلة النسب لهذه الظاهرة، انطلاقاً من جذورها التاريخية والأسطورية والدينية والثقافية، فللإرهابي جذور عميقة وخلفيات من المهمِّ دراستها، من أجل فهم هذه الظاهرة المجنونة والصادمة، لدى رؤية هذا الإرهابي يقوم بتفجير نفسه أمام ضحاياه، وهي الصورة التي تجسّد رؤية “فرويد”، بأن غريزة الموت لدى البشر، هي سبب الفوضى التي تواجه الإنسانية.
يفعل “إيغلتون” ذلك، عبر تناوله لظاهرة الإرهاب كفكرة سياسية قديمة، ظهرت إبان الثورة الفرنسية، واقترنت ببعض مصطلحاتها بطريقةٍ توحي، بـ “محاكاة تهكمية ساخرة، فأن تُدعى إرهابياً يعني أنك متّهم بأن دماغك قد غُسل، وأنك تتبنّى بالمقابل مذهباً مفخَّخاً، مستوحى من فعل القتل الصرف، وربما ترمي صفة إرهابي، إلى جعلك تبدو مدّعياً وشريراً، فالإرهاب ليس إلا وسيلة لتنفيذ رؤى سياسية، وليس بديلاً عنها، وقد شاعت فلسفة معقّدة من الإرهاب السياسي في أوروبا، خلال القرن التاسع عشر والعشرين، يصعب اختزالها بأيّ طريقة، إلى مجرد سفك دماء..”.
إنها الجذور التي أعادتنا إلى تغلغل الإرهاب فيها، فـ “البشر منذ بدء التاريخ وهم يقتتلون، ويعود الإرهاب بمعناه الأدق، إلى قبل العالم الحديث، حيث ظهرت فكرة المقدّس، وكانت فكرة الإرهاب وثيقة الصلة بهذه الفكرة الغامضة، وهي صلة غير مرئية في إرهاب زماننا، إذ ليس هناك معنى مقدّس، في قطع رأس شخصٍ ما، باسم الله، أو في حرق الأطفال العرب بقنابل الطائرات، باسم الديمقراطية، غير أنه من المتعذّر أن نفهم فكرة الإرهاب، دون أن نفهم أيضاً هذه الثنائية، فالإرهاب يبدأ كفكرة دينية كما هو الحال في الكثير من إرهاب اليوم، ويتعلق الدين بالقوى المتناقضة التي تنعش الحياة وتدمّرها في آن”.
لا يكتفي “إيغلتون” بتوصيف الإرهاب كما وجده، بعد أن بحث في تاريخه وأصوله، ذلك أنه يدعم أبحاثه بدلالات أدبية وفلسفية ومسرحية وأسطورية، ولقد كان “فرويد” أحد علماء النفس الذين استعان برؤاهم التي تقول، بأن “العقل عاجز عن كبح قواه التدميرية، إلا إذا استمد طاقاته الخاصة من هذا المصدر العنيف، والدافع لإخضاع محيطنا، إنما هو نسخة عن دافع الموت، فبدلاً من توجيه ذلك العنف المدمّر إلى أنفسنا، نوجهه إلى الخارج، وبذلك نتحاشى أن يحولنا إلى أشلاء”.
لكن، وعلى رأيه، إن كانت الحضارة هي جارة البربرية، وفي الوقت ذاته عدوتها، فهذا يعود إلى أن تطور البشرية يترافق مع تقنيات وحشية بارعة في الهيمنة.. إذاً، علينا أن نقرّ، بأن الإرهاب بمعناه البربري كان قائماً طوال التاريخ، ويصحّ الأمر على الإرهاب السياسي.
إنه ما دلَّ عليه مستحضراً أمثلة من الآداب والتراجيديات اليونانية الأسطورية التي منها “مسرحية أوريستيا لأسخيلوس” حيث توجه آلهة الانتقام “إيومينيديس” عدوانيتها إلى الخارج، كي تدافع عن دولة المدينة، وكذلك مسرحية “أوديب في كولون” لـ سوفوكليس” التي يتحول فيها “أوديب” المدنّس إلى إله حارس، يحمي مواطني أثينا من الهجوم.
يستحضر أيضاً، رؤية “شكسبير” لأهمية أن يكون هناك، من يحمي الضعفاء من القوى المهيمنة، فمن غير الحكمة أن يستسلموا لأمثال “شارلوك” في “تاجر البندقية” التي لعب القانون فيها، دوراً أساسياً في ردعِ الإرهاب.
لكن، ولأن هذا القانون لدى “نيتشه” هو الأخلاق، كان لابدَّ لـ “ايغلتون” من البحث في “حالات السمو” وما تحمله من “موت وانبعاث” وأبعادٍ هي تحت جلدنا، وبنفس الوقتِ، على بعد السماءِ منّا. أبعادٌ، إن أمكننا الخلاص من قواها المدمرة التي تريد تمزيقنا، فلأنها تثير صدىً مألوفاً بحدٍّ غريب، في جوهر ذاتيتنا.
إذاً، مصدر الإرهاب الحقيقي، هو النفس الإنسانية التي وجد “ايغلتون” بأنها نوع من العدم، وبأن “الأصولي يخشى ذلك الصدع الكامن في نفسه، فيحاول ترقيعه بقيمٍ ومبادئ متشدِّدة، ويجازف بإطلاقِ نوع آخر من الإرهاب”.
كل هذا، والحداثة لم توسع دائرة الإرهاب فقط، وإنما زادت من عمق تأثيره لطالما “إذا كانت الحداثة تتعلّق بامتلاك الفرد غرفة خاصة به، فهي أيضاً تتعلّق بامتلاكه موته الخاص، وعلى رأي “نيتشه”: “ليس هناك شيء أكثر ابتذالاً من الموت”.
“هكذا يتجاوز الاعتداء بقنبلة أو حزام ناسف أو سيارة مفخخة، نية الانتقام أو الإرهاب للتأثير على الرأي العام، إلى حافة التدمير الصرف، أي الإقدام على فعل وحشي مدمِّرٌ وعبثي، بحيث يكون غير قابل للفهم أو الشرح أو حتى التفكير، فالفعل الإرهابي بهذا المعنى هو رمزي أو تعبيري أكثر مما هو أدائي، لأن التخطيط لعمل انتحاري جنوني والإقدام عليه دليل دامغ على من نفذه، وكأنه محاولة للكذب على الذات وإقناعها بإتيان عمل مدمر بدون وجود أي باعث”.
بحث “إنغلتون” في هذا النوع من الموت، مثلما في الموت الانتحاري الذي هو بالنسبة إليه “اغتصاب العقل وتمزيق اللحم، وتشويه الفضاء الجلي، وتحويل اليومي إلى ما لا يُعرف كنهه ولا يُفهم مغزاه على نحو وحشي”.. بحث أيضاً، في الذبح البربري الذي رآه: “اعتداءٌ على المعنى اللامادي، واعتداء على ما هو مادي. حدثٌ دادائي، دفع إلى طرفٍ أقصى غير قابل للفهم، وبهذا المعنى يعتبر الانتحار السياسي، محاكاة ساخرة وغرائبية.
باختصار: لقد أراد “إيغلتون” من هذا الكتاب، القول عن الإرهابيين والانتحاريين”:
“ليس الأشرار مستعدين لسفكِ الدماءِ فحسب، بل إنهم يبتهجون بهذا الفعل وهذا ما تفعله اليوم السياسة الخارجية الأميركية، من خلال تسليط نزعتها التدميرية على الآخرين، شاعرة بمتعة فاحشة من آلام الآخرين، وهم مستعدون دائماً للتسبّب بكل ما هو وحشي وجحيمي ومقرف، مادام ذلك هو ثمن شعورهم بالحياة، لذا فهم بؤساء ومبتهجون، بائسون وساخرون، فالشرّ نوع من التجهم الكوني، مثلما يقول “كير كيفارد” في كتابه “المرض حتى الموت”: “ إنه يغضب بعنفٍ شديد، من فكرة أن بؤسه يمكن أن يؤخذ منه”.

التاريخ: الثلاثاء12-1-2021

رقم العدد :1028

 

آخر الأخبار
رفض الهجري للسلطة المركزية يعمّق الأزمة في السويداء ويثير تساؤلات حول البدائل المطروحة  توقف السرافيس في حلب يعيد رسم مشهد النقل "المالية" تعلن رفع الحد الأدنى المعفى من ضريبة الدخل على الرواتب والأجور مع تعذر إدخال كميات جديدة من الوقود..  "الاتصالات": الخدمات في السويداء ستبقى عرضة للانقطاعات  أكاديميو طرطوس لـ"الثورة":  سوريا الواحدة الموحَّدة أمانة في أعناقنا  المبعوثة البريطانية: تقرير التقصي حول أحداث الساحل رسالة بأن المحاسبة ستشمل جميع الجرائم  باراك: احتواء الأعمال العدائية في السويداء يتم بوقف العنف وحماية الأبرياء   بحث احتياجات المهجرين من السويداء مع "الأغذية العالمي" بدرعا سوريا تندّد بمنع دخول قافلة إنسانية إلى السويداء وتحذّر من تداعيات أمنية خطيرة داعم للأسر الريفية في طرطوس.. "تربية الأبقار" مشروع متناهي الصغر رويترز: شركات أميركية تعد خطة لإعادة تأسيس البنية التحتية للطاقة في سوريا من التسرّب إلى التسوّل.. حكايات ترقب بصيص النور في نفق الأمل تفقد مراكز إيواء المهجرين بالريف الشرقي في درعا استبدال وتوسيع مراكز تحويل كهرباء بالقنيطرة دعم المحاصيل وتحسين أنظمة الري في ريف سمعان بحلب آثار حلب تستعيد نحو 1000 قطعة أثرية ثمينة حلب تبسط تراخيص البناء لتمهيد الطريق أمام الإعمار تطوير خطة شاملة بحلب لإدارة النفايات وإعادة تدويرها جنرال إسرائيلي يؤكد أن إسرائيل في حالة ضبابية وتصدع داخلي إعادة التشجير.. أمل أخضر ينبت من رماد الحرائق