الملحق الثقافي:د. مجدي صالح :
منذُ بدءِ التاريخ، ونحن نعاني من العواصف والزلازل والفيضانات، مثلما الحروب والاحتلال والاستعمار، وكل ذلك لم يُنه وجودنا، فكلَّما مُتنا عدنا بدورةِ حياة لا تنتهي. لم يستطع أحد أن يطمس هويتنا، ولا حضورنا القوي في عمق التاريخ والحاضر.
اليوم نواجه شكلاً جديداً من التحديات، وأوجهاً جديدة غير تقليدية تتستَّر فينا، وتلبس وجوهنا، بل وترتدي جلودنا.
يقول الشاعر “البردوني” متنبئاً بهذه الوجوه: “غزاةٌ لا أشاهدهم/ وسيف الغزو في صدري/ فقد يأتون تبغاً في/ سجائر لونها يغري/ وفي أهداب أنثى في/ مناديل الهوى القهري/ وفي سروال أستاذ/ وتحت عمامة المقري/ وفي أقراص منع الحمل/ وفي أنبوبةِ الحبرِ”.
تغير الزمن، وتغيرت أشكال وأساليب وسلوكيات الشرّ، من عمل تقليدي علني، إلى عملٍ غير تقليدي خفيّ ينتحل صفات غيره في حالة استغلال كلي لحركة العصرنة الشديدة.
لا أعني أشكال الاستعمار بالتحديد، بل الشكل الانتهازي الذي يواكبُ الاستعمار بأشكاله العصرية كما وصفَ “البردوني”، وهذا الشكل قد يكون فردي ينتهجه ضعاف النفوس، ممن هم الأسوأ على الإطلاق، بل الأخطر على هذه الامة والسلم العام.
الانتهازي، هو شخص عادي فاسد لا علاقة له بأي قوى محلية أو دولية، في جوفه كيان مختل التوازن، ويفكر بابتكار فرصة من العدم لانتهازها وجني المال الكثير أو القليل، دون الاكتراث بالعواقب التي قد تؤثر حاضراً ومستقبلاً نتاجاً لصنع يديه، وفي الغالب فكرته بسيطة ودخلها المالي بسيط أيضاً، والنتيجة انهيار مجتمع.
مثلاً، حركة الترجمة المزورة للكتب من وإلى العربية من قبل أفراد انتهازيين لا علاقة لهم بهذا الميدان، ذلك ينهي سمعة الكتاب والمؤلف العربي معاً لدى الناطق بغير العربية، وذلك عندما يقرأ كتاباً مترجماً بطريقة مزوّرة ومشوّهة للنص والمعنى والفكرة.
عندما يُقدم انتهازي فردي على نشر كتاب لشخصٍ ليس مؤهلاً لتغذية العقول وإنما لتلويثها، فهو يقوم بخلق عقولٍ مضطربة ومشتتة، وفيها تراكمات وتكدسات لما لا يصلح.
يكمن الخطر هنا، في العشوائية الموجودة منذ البداية في كل المجتمعات، ولكن الفرق بأن هذه العشوائية الآن، وفي عصر الحداثة والرقمنة، تمتلك القدرة على خلق الفرص لانتهازها، وتصبح هي التي تفكر وهي التي تنقل ما أفرزته إلى عقول أبنائنا، دون حواجز ودون أي عوائق.
هنا، ينهار الكتاب العربي وعقول أجيالنا. ينهارا بهذا السلوك الفردي والسلبي للغاية. يفقد الكتاب العربي وجوده، وتتشوه سمعته، ويتم نقله من رفِّ أوراق القيم والمعرفة، إلى رفِّ المشوّه ويُدَّعي بأنه أصيل.
الآن، من يوقف هؤلاء وله وسام التاريخ؟! من يتدخل لوقف نزيف الأمة؟!.. يجب تفعيل الدور الرقابي بكلِّ صرامةٍ، لحماية لغتنا وكتابنا وهويتنا.. يجب ترميم ما سقط من قلعة الثقافة العربية، منذ عقد من الزمن، فلقد كثرت الأخطار والهجمات الثقافية على هذه الامة، وهو ما يستوجب التدخل السريع والتماس الدفاع الثقافي عن المجتمع.
كاتب وأديب يمني
التاريخ: الثلاثاء12-1-2021
رقم العدد :1028