الثورة أون لاين – سلام الفاضل:
ألّف العرب مكتبةً أدبية ضخمة ومتنوعة بين المجموعات الشعرية، والدواوين الشخصية والقبلية، وكتب الأدب والأخبار والنقد الأدبي.
والأدب حسب “ابن خلدون” ثقافة عامة واسعة ترمي قبل كل شيء إلى تكوين ملكة البيان لدى صاحبها، وجعله قادراً على إجادة التعبير عن أفكاره نثراً وشعراً.
وهذا ما جعل كتب الأدب تخوض في فنون شتى لإبعاد الملل عن القارئ، ولتقديم الفائدة والمتعة في المجالات الثقافية المتعددة، فكانت هذه الكتب مصادر غنية للدراسات الأدبية، ولكثير من البحوث اللغوية والتاريخية والاجتماعية والفلسفية.
ويُعدّ كتاب (بهجة المجالس وأُنس المُجالس) لصاحبه ابن عبد البر القرطبي، الذي اختارت د.فاطمة تجور مقتطفات منه، وقدمتها في الكتيب الجديد الصادر ضمن سلسلة “ثمرات العقول” عن الهيئة العامة السورية للكتاب، يُعدّ أحد هذه الكتب الأدبية التي امتازت بغنى محتواها، وشمولية فحواها.
ابن عبد البر القرطبي
قدمت د. فاطمة تجور في بداية مختاراتها لمحة عن مؤلف الكتاب ابن عبد البر القرطبي، وبيّنت أنه ولد في الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة 368 هـ، لأب كان فقيهاً من فقهاء قرطبة، وتلقّى تعليماً ممتازاً على يد جلّة من علماء عصره، واستوعب كثيراً من علوم الفقه والحديث والتاريخ والأدب وغيرها في بلده قرطبة.
وتناولت الحديث عن ثقافته فأوضحت أنها ثقافة امتازت بالأصالة والعمق والتنوّع والوفرة في مصادرها، مؤكدة أنها ظهرت بشكل واضح في مؤلفاته الكثيرة التي تمتاز بالإحاطة والشمول، ومنها: (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد)، و(الاستيعاب في طبقات الأصحاب)، و(جامع بيان العلم وفضله)، و(الإنصاف فيما في بسم الله من خلاف)، وسواها.
بهجة المجالس
وعرجت تجور كذلك للحديث عن المنهج الذي اعتمده ابن عبد البر القرطبي في مُؤلَّفه، ومادة الكتاب فعرضت أن ابن عبد البر استخدم المنهج البسيط الذي لا تعقيد فيه، فجعل كتابه في عدد من الأبواب بلغ مئة واثنين وثلاثين باباً، يضم كل منها معنى من معاني الدين والدنيا، حيث يفتتح الباب بآية من القرآن الكريم، ثم بحديث من أحاديث الرسول (ص)، ثم يورد جملة من أشعار العرب وحِكَمهم، أو ما أُثِر عن العجم والروم من كل ما قيل في هذا المعنى أو اتصل به.
أما مادة الكتاب فقد استقاها المؤلف من عدد ضخم من المصادر، مثل: كتب ابن قتيبة (عيون الأخبار، والمعارف، والشعر والشعراء)، وكتب الجاحظ (البيان والتبيين، والحيوان)، وكتاب أبي حيان التوحيدي في الصداقة والصديق، وحماسة أبي تمام، ودواوين معظم الشعراء المشهورين وغير المشهورين.
وذكرت تجور بأنه على الرغم مما لوحظ في هذا الكتاب من ميل مادته معظمها إلى المشرق العربي، إلا أنه تميز بإيراد قدر ممتاز من شعر الشعراء الأندلسيين، وحفظَ مادة مشرقية فُقدت مصادرها في المشرق نفسه، موضحةً أن غاية ابن عبد البر القرطبي من تأليف كتابه هذا يمكن تلخيصها في أمرين، أولهما أن معرفة الأدب في حدّ ذاتها قربةٌ إلى الله تعالى؛ لأنها تبعث على المكارم، وتنهى عن الدنايا والمحارم، في حين يدور الأمر الثاني حول فكرة أن جمع نوادر العرب وأمثالها، وأجوبتها وفصولها ما يبعث على امتثال طرقها.