ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
لم يكن وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعالون بحاجة إلى الحديث طويلاً حتى يُفصح عمّا يقف خلف الألسنة الإسرائيلية، وما يستتر وراء العلاقة المتورمة مع الأطراف والدول الداعمة للإرهابيين، وتلك المجاهرة بعدائها واستهدافها لسورية.
فبعد طول مواربة وكثير من محاولات التلطي خلف الستار، تميط إسرائيل اللثام عن وجهها وتحضر بذاتها في عملية تحريض لا تكتفي بما قامت به في الخفاء من أدوار منفردة كانت أم مع جوقة التحريض بل تستعين بحلفائها من الأعراب وتجاهر بنقاط الالتقاء معهم.
لا يبدو الأمر مفاجئا للكثيرين ولا هو مستبعد وقد صدرت الكثير من الإشارات الضمنية والعلنية، وظهر إلى العلن الكثير من المؤشرات الدامغة على العلاقة الوثيقة بين إسرائيل والدول العربية والإقليمية الداعمة للإرهابيين، وتطورت إلى ارتباط مباشر بين إسرائيل والإرهابيين أنفسهم حين أسعفت الكثير منهم إلى مشافيها.
لكن التوقيت الذي دفع بوزير الحرب الإسرائيلي إلى الحديث بهذا الأسلوب وبهذه الطريقة يترك العديد من إشارات الاستفهام، ويُعيد الاصطفاف السياسي في المنطقة والعالم على أساس الموقف من العلاقة مع الإرهاب والإرهابيين، وهو الذي يحكم أيضاً العلاقة الإسرائيلية المزدهرة هذه الأيام مع رعاة الإرهاب ومموليه وحاضنيه، وهي علاقة ما فتئت تمارسها علناً وجهاراً على مرأى من الجميع.
نستطيع أن نجزم أن المسألة تتعلق أساساً بالتطورات الأخيرة التي بدأت فيها رحلة العودة إلى الجذور بعد أن اختلطت الصورة وباتت المشاهد متداخلة فيما بينها ومتنازعاً عليها شرقاً وغرباً.. شمالاً وجنوباً، وفي طريق العودة كان من الطبيعي أن تتقاطع المحاكاة الإسرائيلية لتلك التطورات مع المقاربات التي تحاول الدول الداعمة للإرهاب أن تسلكها وسط هذه المتاهة المترامية الأطراف، خصوصاً وسط الانزياح الدولي نحو الحلول الدبلوماسية التي تذهب بكل ما راهنت عليه إسرائيل، هي والمتحالفين معها العلنيين منهم والسريين.
بالطبع، لم يكن من الصعب فهم أبعاد ودلالات هذا الدخول الإسرائيلي المباشر على خط التحريض، بعدما بلعت إسرائيل لسانها أمام التطورات المتتالية الحاصلة بأمر من رئيس وزرائها، وفجأة يطلّ وزير حربها بهذه الطريقة التي تعكس قلقاً إسرائيلياً من أن ما جرى يفتح الباب على ما تملكه من ترسانة نووية مسكوت عليها، يلاقيه على الطرف الآخر هواجس مشيخات الخليج المتورطة في دعم الإرهابيين، والتي تجد في أي انفراج يمكن أن يحصل خسارة مزدوجة لها باعتبار أن لا مكان لها إلا في مزيد من التصعيد، ولا دور يمكن أن تلعبه إلا من خلال دعم الإرهابيين.
الأخطر.. كان الموقف من عملية سحب الذرائع التي وجدت فيها إسرائيل في نهاية المطاف – مثلها في ذلك مثل شركائها الداعمين للإرهابيين- انقلاباً على الحسابات والتمنيات التي اشتغلت عليها طيلة الشهور الماضية، وبأن اتقان الدبلوماسية السورية التعامل مع الملف الكيماوي قد قلب الطاولة رأساً على عقب، واضطرت معها دول كبرى لإعادة حساباتها وربما التفكير في تغيير الكثير من معادلاتها السياسية وطريقة تعاملها مع ما يجري في سورية.
ومع تزايد الأصوات التي تقرّ بوجود عصابات إرهابية ترتبط مباشرة أو بالواسطة مع تنظيم القاعدة بالتزامن مع الحديث عن ضرورة إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل وعلى رأسها الاسرائيلية، وجدت إسرائيل أنها تتعرى أمام هذا الواقع بعد أن رأت أنها مع أولئك الإرهابين وداعميهم في مركب واحد وبالتالي لم تجد ضيراً في أن تكشف عن دورها حتى النهاية، وعن تموضعها في الكفة ذاتها التي تقف فيها القاعدة ومشتقاتها والدول الداعمة لها، والأطراف التي تعمل وفق أجنداتها.
لذلك كان النفخ الإسرائيلي مباشرة في القربة ذاتها، يعني من حيث المبدأ أنها تريد أن تملأ الفراغ الناتج عن انحسار الغبار الذي أثارته المعارك الإعلامية والدعائية الغربية في جملة أكاذيبها، وانكشاف الدور الغربي سياسياً ودبلوماسياً، حيث أدركت بفطرة العلاقة المتجذرة بالإرهاب أن التوافق الروسي – الأميركي لن يترك للحلفاء الأوروبيين مايمكن أن ينفخوا فيه، ولا مايعبثون من خلاله، وقد جربوا نتائج عبثهم في غير مكان.
a.ka667@yahoo.com