الملحق الثقافي:غسان صالح عبد الله :
لقد ذهب العديد من الأدباء والشعراء، بما أغرق الشعر والأدب في البكاء والتلهف والنواح والندب، ووصف مفاتن المرأة والتغزل بها، وأغرق الشعر والأدب في أشياءٍ قريبة إلى التفاهة والبلادة، دون أن يكلفوا أنفسهم دراسة الأدب والإلمام به وبطائفة منه، وبدأ أدبهم يخلو من العمق وأصبح شكلياً لا أساسياً، لا يقدم إلا الاضطراب في الفكر والتفتت في الشعور.
إن فوضى الأدب وبلبلة الأدباء، تحملان نصيباً غير قليلٍ من مسؤولية التزعزع النفسي، والاضطراب الفكري، والتفسخ الروحي المنتشر في الأمة، والشاعر والأديب الحقيقي، هما مرآة الجماعة ومصباح في الظلمات، وسيف في النكبات، بل من يشيد للأمم قصوراً من الحب والحكمة والجمال.
فمتى أخذ الأدباء السوريون الموهوبون، والمدركون سمو النظرة إلى الحياة والكون والفن والجمال، يطَّلعون على الكنوز الروحية الثمينة لأمتهم، ازدادوا يقيناً بحقيقة نظرتهم وعظمة أسبابها، وبقوة الموحيات الفلسفية والفنية الأصلية في طبيعة أمتهم التي يؤهلهم فهمها، لإنشاء أدب فخم، جميل، خالد.
في مثل هذا الأدب الذي هو من صميم حياة أمتنا، والمؤسَّس على النظرة الجديدة الأصلية إلى الحياة والكون والفن والجمال، نجد التجديد النفسي والأدبي والفني الذي نشتاق إليه بكل جوارحنا.
إلى مقام الآلهة السورية، يجب على الأدباء الواعين أن يحجوا وأن يكونوا سيَّاحاً، لا يعودوا إلينا إلا حاملين أدباً، يجعلنا نكتشف حقيقتنا النفسية ضمن الحياة الكبرى التي تناولها تفكيرنا، من قبل أساطيرنا وفلسفاتنا التي لها منزلة في الفكر والشعور الإنسانيين، تسمو على كل ما عُرف ويُعرف من قضايا الفكر والشعور.
إذاً، تعالوا نرفع لأمتنا التي تتخبَّط في الظلمات، المشعل الذي فيه نور حقيقتنا وأمل إرادتنا وصحة حياتنا.. تعالوا نشيِّد لها قصوراً من الحب والحكمة والجمال والأمل، ونسيّجها بعطاءاتها ومواهبها وفلسفات أساطيرها.
تعالوا نرنو إلى الحياة والكون والفن والجمال، ونسعى لبعث حقيقتنا الجميلة والعظيمة من مرقدها، لنرى النفوس الجميلة، في مطالبها التي تحمل النفوس في سبيلها المشقات الهائلة، التي يذللها الاتحاد في وحدة الشعور والمطلب.
تعالوا نقيم أدباً صحيحاً له أصول حقيقية في نفوسنا وفي تاريخنا. تعالوا نفهم أنفسنا وتاريخنا على ضوء نظرتنا إلى الحياة والكون والفن والجمال.. بهذه الطريقة، نوجِدُ أدباً صحيحاً حيّاً، وجديراً بتقدير العالم وبالخلود.
الأدب الحقيقي، هو السبيل الأمثل لنقل الفكر والشعور الجديدين، الصادرين عن النظرة الجديدة، إلى إحساس المجموع وإدراكه، وإلى سمع العالم وبصره، فيصير أدباً قومياً وعالمياً، لأنه رفع الأمة إلى مستوى النظرة الجديدة بعد أن أضاء طريقها، ولأنه ثروة نفسية أصيلة في الفكر والشعور.
أيها الأديب، كن ذلك الرجل المفكر في الحياة، وما تتطلبه من عوامل الرقي، ولا تعود حياتك على البكاء والنواح، وعلى الطلول البالية والآثار الخرفة. كفكف دموع هذه الأمة التي تتخبط في الظلمات. كفكفها بنورِ الأمل، ولاتكن مقلِّداً، واترك الخيال الذي لا روح فيه ولا حقيقة، ذلك أننا نعيش أشدّ المحن على المستويات كافة، وواجبك تنظيم عملك والارتقاء بسموِّ نظرتك إلى الحياة والكون والفن والجمال، والوقوف في وجه فوضى الأدب وبلبلة الأدباء.
كفكفوا دموع هذه الأمّة، فالشاعر وكما قال الأديب “جبران خليل جبران”: “زنبقة في جمجمة”.
كاتب وباحث
التاريخ: الثلاثاء2-2-2021
رقم العدد :1031