الثورة أون لاين – ناظم مهنا:
الأمل من المعاني العميقة في تاريخ الثقافات، وهو الذي فتح الآفاق أمام البشر، ولولا الأمل الذي ترافق مع الوعي، لَمَا تحققت الإنجازات الحضارية الشامخة التي شيَّدتها الإنسانية جمعاء.
وإذا كان الأمل ضرورة وجودية للبشر، فهو بالنسبة إلينا – نحن السوريين – ضرورة ملحة تبرز أهميتها المرحلية في الظروف التي نعيشها اليوم. الأمل عندنا يأخذ بعداً وطنياً بامتياز، الأمل موقف، يتجاوز أنّه وعيٌ وخلاصٌ فرديٌّ إلى وعي مجتمعي يتشارك فيه السوريون كلّهم؛ الأمل بالانتصار على الأعداء، والأمل في النهوض الوطني، وتجاوز مرحلة الحرب، وفك الحصار الأميركي الدولي، وإعادة الإعمار، والاستفادة من التجارب والدروس، كلُّها تمنح الأمل، هذا المعنى الوطني العام، الذي يتجلى في صور ومواقف، وفي الحياة اليومية للناس. والسوريون وهم يصنعون نصرهم على الإرهاب، لا يعيشون انتظاراً، بل يبتكرون أملهم الخاص بإرادتهم، وهذه الممارسة اليومية تصير خبرة وتجربة، هوية وعمق، ومن ثمّ تغدو ثقافة نوعية وتراكمية.
ثقافتنا في الجمهورية العربية السورية، تقوم على مبدأ الإيمان بالإنسان وهي في جوهرها العميق ثقافة أمل، وثقافة حياة ضد أشكال الموت كلّه، وضد الكراهية والعدوانية التدميرية، وتتجلى هذه الثقافة في جعل الإنسان هدفاً أسمى في كل مكان وزمان، هذا النوع من الأمل، هو أمل شامل وشعور جمعي يسري بين الناس، ويمنحهم طاقة إيجابية. تسعى مؤسساتنا الثقافية الوطنية بشكل دائم إلى تفعيل هذا النشاط وتحويله من حالة الكمون إلى الانسيابية والإبداع في المجالات كلّها، هذه الروح الإيجابية التي تميزت بها الثقافة في بلدنا منحتنا طاقة كبيرة للعمل الثقافي حتى في ظل الظروف الصعبة والاستثنائية.
هذه الثقافة هي بالضرورة ثقافة تقدمية في محتواها، وهي مع تطور الإنسان دائماً، ثقافة تتعارض وتتناقض بشكل حاسم مع الفكر الظلامي المعادي للفنون وللإبداع، الذي يسعى بآلياته كلّها إلى نشر الكآبة والحزن و الموت. ويعمل أتباعه، بكل جوارحهم، لإعادة عقارب الساعة إلى الخلف.
مقابل هذا الوجه البائس من التفكير العدمي العدواني الذي يأخذ المجتمعات إلى الكارثة والدمار، يبرز مجتمع آخر على النقيض من المجتمع القديم، مجتمع الأمل، المجتمع المؤمن بقدراته ومقدراته، ويرتقي فيه الإنسان إلى مستوى المقاومة المتطورة والمتنامية، التي تتفاعل لتغدو حالة راقية من حالات المواجهة ضد كل أشكال القنوط واليأس والغربة والاغتراب. وتغدو كلمة الأمل أبعد غوراً من معناها المباشر، متضمّنة القوة والإرادة والحب والثقة بالانتصار. هذه ثقافة الإنسان الجديد، إنسان العمل، الذي نأمل أن يترسَّخ وجوده ليتصدّى لكل التحديات القادمة في أثناء الحرب وما بعدها. هذا ما تصبو إليه ثقافتنا الوطنية في إحداث تغيير جوهري ملموس في الشخصية الفردية والاجتماعية، شخصية جديدة من قلب المعاناة، تتمتع بقوة الأمل، وبالعمق والوعي اللازمين لإحداث تحوّل في السلوك، يؤدي إلى الإصرار على الخروج من واقعنا الحالي إلى واقع آخر مفتوح على أفق التطور، ويليق بنا وبتاريخنا الحضاري.
الأمل فاعلية إرادوية، وهو حالة دفاعية على المستوى الفردي والعام، وصعب العيش دون أمل، وقديماً قال الطغرائي شاعر لامية العجم:
أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أصعب العيش لولا فسحة الأمل
ليست كلمة الأمل، مجرد كلمة إنشائية عابرة، بل هي فلسفة ونظرة للحياة عميقة، وممارسة واعية للعيش، كما عبَّر عنها فيلسوف الأمل الألماني أرنست بلوخ في كتابه الضخم «مبدأ الأمل»، الذي يرى أنّ الأنسان يجب أن يكون مزوداً بطاقة كبرى من القناعات في أن المستقبل هو الغاية المنشودة، والعصر الأفضل هو القادم وليس المنصرم، فالإنسان المثقَّف في نظر بلوخ هو إنسان اليوتوبيا والحلم، وبهذا يتلاقى مع الطغرائي.