الملحق الثقافي:عبد الحكيم مرزوق:
صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، كتاب نقدي جديد بعنوان: «مرآةُ الشّعْرِ ستائرُ المَعْنى – مقاربة التّقنياتِ الأسلوبيَّةِ في الشّعر السُّوري الحديث»، وهو من تأليف الشاعر والناقد. د.»وليد العرفي»، وقد جاء الكتاب بـ 265 صفحة من القطع المتوسط.
عن الكتاب يقول المؤلف: «انصبَّ اهتمام النقد العربي في أغلب ما كُتب في تاريخ حركته، على التجارب الإبداعية لدى جيل الرواد، والاحتفاء بنجومية الأسماء، التي كان لها النصيب الأكبر من تلك الممارسة النقدية، التي نرى أنها خلقت هوَّة بين النقد والإبداع، في مراحله التي انشغلت فيه بمرحلة على حساب مرحلة تالية أخرى، ما جعل النقد في كثير من تجاربه، اجتراراً لاحقاً لسابق، فأصبحنا نُردّد مع شاعرنا: «كعب بن زهير بن أبي سُلمى»:
ما أرانا نقولُ إلَّا رَجِيعًا ومُعادًا مِنْ قوْلِنا مَكْرُورا
وقد أفقد هذا الأمر السيرورة التاريخية للإبداع، في حقيقة نمائه الطبيعي الذي لا يمكن أن ينحصر في جيل دون آخر، مثلما لا يجوز أن ينفتح على مرحلة، وينغلق على إبداع مرحلة ثانية؛ فالإبداع وحدة جمالية متنامية متجاوزة حيزي المكان والزمان. وبهذا الوعي لحقيقة النقد (كما يقول الدكتور وليد العرفي في مقدمة الكتاب): جاء هذا الكتاب الذي يُدرَج في سياق مشروعه العام الذي يسعى إلى تكامل بنائه، ويعمل على تحقيقه منذ سنوات، وهو يقوم على توجيه بوصلة النقد الحديث إلى التجارب الشعرية الإبداعية الجديدة، انطلاقاً من قناعتنا بأن على النقد أن يكون موازياً في مساره التاريخي لحركة الإبداع، ومن هنا رأينا أن نخوض في غمار هذا المشروع.
ويضيف د. العرفي: كان من اللافت والمثير للاهتمام، صوتٌ شعري ينتمي إلى جيل الثمانينات، يبدو صوتاً منفرداً في تغريده خارج السرب، وهو ما أوجب أن نسلّط الضوء على تجربة الشاعر: «ثائر زين الدين» بكثير من التوسّع في هذه الدراسة، لما اتَّسمت به نصوصه الشعرية من أنماط أسلوبية تستحق إفرادها في مباحث خاصَّة بها، وهي تجربة شعرية تأتي في سياقها العام ضمن مشروعنا الذي نُؤسّس للعمل فيه ضمن هذا التوجه، وهو ما نأمل أن نتابعه في خطوات لاحقة، تُسهم في ردم الهوة القائمة بين مسار النقد في توجّه بوصلته نحو سبر التجارب الإبداعية لدى جيل الرواد من جهة، كما تعمل على تجسير ذلك الفراغ بين مساري: النقد والإبداع الشعري من جهة ثانية، إذ لا يُحلّق الإبداع إلا بجناحيه: النقد والشعر، فكل منهما يمدُّ الآخر بأسباب القوة، ويدفع به إلى مزيد من التجلّي والازدهار.
وقد حاول (الباحث) أن يسبر غور هذه التجربة الإبداعية في مجالها الشعري أفقياً وعمودياً، فسلَّط الضوء على مجمل ما كتبه الشاعر حتى تاريخ إنجاز هذه الدراسة، وقد بلغت سبع مجموعات شعرية أوردها حسب سياقها التاريخي:
عنوان المجموعة الشعرية
تاريخ صدورها
ورد 1989 م
لما يجئ بعد المساء 1996 م
أناشيد السفر المنسي 1998 م
في هزيم الريح 2003 م
سيدة الفراشات 2010 م
ورميت نرجسة عليك 2016 م
وردة في عروة الريح 2019 م
وهذا العدد من المنجز الإبداعي من حيث الكم والكيف، حسب رأي د.»العرفي» يُسوّغ مشروعية دراسته في سياق المشروع العام، الذي يعمل على إتمام مراحله بما يسمح به الوقت والجهد، وقد اعتمدت الدراسة المنهج الوصفي التحليلي، في إضاءة التجربة الشعرية في هذا الشعر، الذي حاول فيه أن يكشف عن التقنيات الأسلوبية في شعر: د.»ثائر زين الدين»، وهو ما سعت الدراسة إلى تحقيقه غير منغلقة على التجارب الشعرية الأخرى لدى الرواد، وخاصة مما كان لها تعالق مع تجربة الشاعر «زين الدين» في إطار الفكرة أو النمط التعبيري، في سعي من الباحث لربط المنجز الإبداعي لدى الجيل الجديد، مع المنجز الإبداعي لدى جيل الرواد، ما يُسهم في تأكيد أن الإبداع سلسلة متصلة متواصلة، لا انقطاع في سيرورتها الزمانية، وربما تضلُّ البوصلة في تحديد الاتّجاه، غير أننا نثق بصلابة الأرض التي نقف عليها وننطلق منها.
وقد اقتضت ضرورة البحث أن يشعّبَ (الباحث) الدراسة وفق أهمية الظاهرة المدروسة؛ فجاء المبحث الأول بعنوان: الظاهرة التناصية، وتناولنا فيه أنماط التناص التي شكّلت علامة مميزة في الشعر المدروس من حيث الكم والكيف على اختلاف التقنيات والصور التي ورد فيها.
في المبحث الثاني: سلَّط الباحث الضوء على ظاهرة التكرار التي شكَّلت سمةً أسلوبيّة في الشعر السوري الحديث، على اختلاف الأنماط سواء ما كان في تكرار الحرف، أم تكرار الكلمة، أم في تكرار العبارة.
فيما كان محط اهتمام المبحث الثالث: ظاهرة استخدام الشعر للعدد، باختلاف الصور والدلالات في طرائق استخدام العدد: (30) ثلاثين.
وتطرق المبحث الرابع إلى: ظاهرة السؤال في الشعر، الذي شكَّل ملمحاً من ملامح البنية التشكيلية في الشعر المدروس، سواء ما جاء في العتبات النصية، أم ما كان لبنة من لبنات المعمار الفني للقصيدة.
أما المبحث الخامس، فقد أفرده لدراسة: ظاهرة التمازج الجمالي بين أنماط الأدب فيما يُسمَّى السرد الشعري أو شعرنة السرد.
أعقب ذلك، المبحث السادس الذي اعتنى بدراسة: ظاهرة القصيدة الومضة التي جاءت وفق أنماط مختلفة.
وفي المبحث السابع، تطرّق إلى: بنية الصورة وتشكيلها الجمالي في شعر «ثائر زين الدين» التي استخدم فيها تقنيات: التشبيه والاستعارة والتشخيص، بما أسبغ على الجماد من طاقاتٍ تعبيريةٍ، وأضفى على الهياكل الميتة حيوات وأرواحاً.
وفي المبحث الثامن، توقَّف عند: ظاهرة النزعة الرومانسية؛ فكشفنا عن نمطياتها الأسلوبية التي تبدّتْ ظهوراتها على صعيدي: الموضوعات، وتجلياتها اللغوية.
وختم الدراسة بأهم ما خلص إليه من نتائج، وذيلها بمكتبة البحث التي أثبت فيها، ما اعتمدت عليه الدراسة من مصادر ومراجع.
التاريخ: الثلاثاء9-2-2021
رقم العدد :1032