الثورة أون لاين – فؤاد العجيلي – جهاد اصطيف :
جامع سيدنا ” زكريا ” أو الجامع الكبير، هي تسميات ” محلية عند أهل حلب ” للجامع الأموي الكبير بحلب، والذي يعد من أكبر وأقدم المساجد في مدينة حلب ، ويقع في حي الجلوم في المدينة القديمة، التي أدرجت على قائمة مواقع التراث العالمي عام ١٩٨٦ ، حيث أصبح الجامع جزءاً من التراث العالمي، يقع بالقرب من سوق المدينة، ويقوم الجامع على مساحة من الأرض يبلغ طولها ١٠٥ أمتار من الشرق إلى الغرب، ويبلغ عرضه نحو ٧٨ مترا من الجنوب إلى الشمال وهو يشبه إلى حد كبير في مخططه وطرازه الجامع الأموي الكبير بدمشق، وبني في القرن الثامن الميلادي، إلا أن شكله يعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي حتى القرن الرابع عشر الميلادي، وبنيت المئذنة عام ١٠٩٠ م .
في نيسان من العام ٢٠١٣ – وخلال الحرب الظالمة على سورية والتي ألحقت الخراب والدمار والسرقة بالجامع – تم تدمير المئذنة على أيدي الجماعات الإرهابية المسلحة حاملة الفكر التكفيري .
وصدر القرار الجمهوري القاضي بتشكيل لجنة لإنجاز صيانة وترميم الجامع الأموي الكبير ، والتي بدأت بوضع الخطط والدراسات والمباشرة بالتنفيذ بعد أن تحررت حلب نهاية عام 2016 ، وماتزال عمليات الصيانة والترميم مستمرة واضعة عنواناً لها ” حلب انتصار وإعمار ” .
• مشروع صيانة وترميم متكامل : الدكتور المهندس صخر علبي عضو لجنة الإنجاز اوضح أن عمليات الترميم في ظاهرها مشروع واحد ولكن في الحقيقة هي عدة مشاريع تبعاً لأقسام الجامع حسب الضرر الذي لحق بأقسامه ،وبنسب مختلفة فالإنجاز الأكبر كان في القبليّة (المصلى الرئيس) حيث وصلنا فيه إلى مرحلة تركيب التجهيزات (التكييف، الإنارة، التهوية) حتى الأبواب الخشبية انتهت تماماً، و استغرقت أعمال الصيانة والترميم في القبلية الوقت الأكبر لافتا إلى الانتهاء من ترميم الفناء الداخلي أو الصحن وتم إنجاز ما يقارب الثلث من ترميم المئذنة باستخدام الأحجار القديمة قدر الإمكان، وذلك بعد أن تم توثيقها، وبعد أن تم دراسة مقاومة كل حجرة منها، فالمئذنة يبلغ طولها ٤٥ متراً ، وعرض كل ضلع من أضلاعها الأربعة 5 أمتار تقريبا ،
حيث نقوم بتركيب الأحجار القديمة وفق برامج إذ نعرف كل حجر من الأحجار المتبقية أين يكون موضعه في جسم المئذنة، وهذه العملية شاقة ومضنية ، حيث إن التفجير الذي تم في المئذنة والذي قامت به المجموعات الإرهابية هو من فوق السطح، وقد اضطررنا إلى أن نفك المئذنة من السطح إلى الأساس، تعلمنا أثناء الفك طريقة بنائها، فبعد التفجير لايمكن البناء على شيء باق، إذ فككنا مايقارب ١٥ متراً وصولاً إلى الأساسات ، مشيراً إلى أنه في الماضي حين كانت المئذنة مائلة كان هناك فرضيات منها أنه يوجد ماء تحتها، إلا أنه في الواقع لم يظهر تحتها شيء، خاصة وأنه قد أجرينا سبور للتربة والأمواج الكهرطيسية التي تظهر إن كان هناك تكهفات أو غيرها، وهناك سبور هيدرولوجية تظهر إن كان هناك أحواض مائية، وبعد إجراء هذه السبور قمنا ببناء الأساس ووصلنا إلى مرحلة الثلث في البناء تقريبا حيث مرحلة تنزيل أول شريط كتابي، ونجد أن هناك أشياء مفقودة فنقوم بتصنيعها وهذا عمل آخر يستغرق بعض الوقت ، كما أن هناك أمرا غير مرئي للمشاهد وهو سطح الجامع فكما كانت الواجهات مثقوبة بالرصاص ، كذلك كانت الأسطح مثقوبة، و تم الانتهاء من أجزاء كبيرة منها.
وأضاف عضو لجنة الإنجاز هناك جزء آخر وهو القسم الشرقي والذي كان متضرراً جداَ وهو متداخل مع (سوق النسوان)، و كان هناك صعوبات كثيرة تخص هذا الجزء خاصة فيما يتعلق بالملكية مع أصحاب المحلات حيث تمت معالجتها وهناك مبادرة من القطاع الخاص لترميم بعض المحلات في سوق المدينة بالتعاون مع أصحابها.
وأشار إلى أن واجهة الجامع الخارجية المطلة على الشارع تم الانتهاء منها في البداية ، ورغم أن هذه الواجهة ليست أثرية لكننا بدأنا بها من أجل معالجة الثقوب والترميم كما انتهى ترميم
القباب منها القبتان اللتان في صحن الجامع تم فكهما وصيانتهما، وهناك قبة أخرى وهي الأكبر وتقع في القبليّة فوق المصلى الرئيس، جميع هذه القباب كانت بحاجة إلى طبقات من الرصاص، وقد تمت عمليات الترميم والصيانة لها ووضع طبقات الرصاص عليها ، حتى المنجور الخشبي الخاص بالواجهات الرئيسية والذي يحتوي الأرابيسك تم الانتهاء منه، ففي الترميم السابق تم تفكيك هذه الواجهات جميعها بسبب تلفها واهترائها، ولكن كان من الممكن إعادة ترميمها، وحين جئنا لإعادة الترميم في المرحلة الحالية وجدنا أن هذه الواجهات الخشبية محروقة بشكل كامل، فأعدنا تصنيع المنجور الجديد على الصورة التي كان عليها قبل نحو ١٥٠ عاماً وفق المراجع التي أمكن الرجوع إليها.
وبين انه بعد تحرير حلب مباشرة دخلنا إلى الجامع، ولكن كان هناك عمليات إزالة الأنقاض التي استغرقت وقتاً طويلاً، إلى أن وصلنا إلى ما تم إنجازه اليوم وبالتالي فإن معظم الأمور التقنيّة تم الانتهاء منها ، ولاتزال هناك أحجار كثيرة في صحن الجامع وبالتالي لم نستطع العمل بما يخصّ الأرضية، وحالياً يتم وضع هذه الأحجار في مكانها المناسب ، ليبقى القسم الذي لم يتم العمل عليه بعد وهو مدخل الجامع، فدراسته منتهية لكننا تأخرنا بالعمل فيه ، لأنه المدخل الوحيد لكل مستلزمات البناء وإعادة الترميم ، وبعد الانتهاء من كل شيء سيتم العمل به ، لذلك قلنا إن نسب الإنجاز متفاوتة ففي الترميم السابق ورغم أن الوضع كان مختلفا تماما استغرق نحو ست سنوات وكان محصورا بتدعيم الأعمدة بشكل رئيسي لذلك الآن الوضع يختلف كليا ، وعلينا أن لا ننسى أن المنبر والباب الأثري والثوب الفضي تم سرقتها ويتم متابعة هذا الموضوع من قبل الجهات المعنية لإمكانية استرجاعها.
وخلال جولة الثورة في رحاب الجامع والتي رافقنا بها الأستاذ تميم قاسمو عضو لجنة الإنجاز والمهندس ياسر مهملات رئيس جهاز الإشراف والمهندسة سماح عزيزي عضو جهاز الإشراف أوضح الأستاذ قاسمو أن الكتابات والرموز الظاهرة على الأحجار حول المئذنة موزعة على خمسة أشرطة كتابية ، حيث ظهر شريط خلال الترميم السابق ويتم حاليا التعامل معها بكل عناية حسب الضرر الذي لحق بكل حجر على حده ، وإن تطلب الأمرنقوم بزرع الجزء القديم ضمن الحجر الجديد ، بمعنى أننا اتخذنا قرارا بالاستفادة من كل جزء حجر مهما كان كبيرا أو صغيرا ويمكن القول إن نسبة ٥٠ إلى ٦٠% من الحجر القديم يمكن أن يركب مكانه ويستكمل بما يطابق الأصل وفق هويتها والمخطط المرسوم لكل حجر بحجرتها وهذه العملية تحتاج إلى حرفنة ومهارة فائقة ويمكننا القول إن النتائج بدأت تظهر للعيان.
بدوره المهندس ياسر مهملات أسهب بالحديث عن الأعمال الجارية في مختلف جبهات العمل بدءا من المئذنة وانتهاء بالجهة الشرقية الأكثر تضررا ، مشيرا إلى أن العمل يتم على قدم وساق خاصة تدعيم الأسقف وهدم الأعمدة خاصة في الجهة الشرقية والحجازية وإمكانية الاستفادة من بناء غرف إضافية خدمة للجامع تحت سطح سوق النسوان، منوها بدقة وإتقان العمل خاصة عند تجهيز الحجر قبل تركيبه بحيث يتم حفر كل حرف أو أي جزء منه وفق كل مخطط مرسوم لها ، وكذلك الأمر بالنسبة لأعمال الخشب المصنوع من أفضل أنواع الخشب عالميا وبتقنية عالية.
ختامها مسك منوها بجهود الحرفيين المهرة والكوادر الوطنية الخبيرة من أبناء حلب الشهباء في أعمال ترميم الجامع الأموي الكبير في حلب بوتائر عالية لإعادة كتابة التاريخ الذي حاول الإرهاب وأعداء البشرية تدميره .
تصوير : خالد صابوني