ما إن يغادر رئيس أميركي البيت الأبيض ويحل غيره سواء أكان ديمقراطياً أم جمهورياً حتى يبدأ حديث بعض العرب عن تفاؤل مع القادم الجديد عله أحسن حالاً بالنسبة لهم ولقضاياهم بل ويحل لهم كل مشاكلهم دون أن يدركوا حقيقة أنهم هم المشكلة وليس الرئاسة الأميركية إلى درجة أن البعض منهم يتعامل أو يعتقد أنه رئيس عربي لأميركا، وهذا يعكس أيضاً حالة القصور السياسي عند هؤلاء وقلة بصيرتهم وعدم استيعابهم لطبيعة النظام السياسي الأميركي وديناميته الداخلية وعناصر بنائه ومساحات التأثير فيه، ولعل استعراض مسيرة أكثر من سبعة عقود من رئاسات أميركية جمهورية وديمقراطية لا تعطي سوى محصلة شبه صفرية في إطار العلاقة مع العرب والانحياز شبه الكامل للكيان الصهيوني ولم يجلس على سدة البيت الأبيض أي رئيس أميركي مناصر لقضايا العرب وإن كان ثمة فارق أو تمايز فهو في الدرجة لا في النوع.
إن وصول الرئيس الأميركي جوزيف بايدن إلى سدة البيت البيض يجب ألا تشكل أيّ حالة تفاؤل عند أيّ عربي مهما كان مزاجه السياسي أو توجهه الأيديولوجي، فاجتراح التغيير من خلال قدوم رئيس أو مغادرته هو رهان خاسر، فإن كان ثمة أمل في تغيير أو تحول في السياسة الأميركية تجاه قضايانا، فنقطة البداية في ذلك هي التفكير في إحداث تغيير حقيقي بالموقف العربي من أميركا وليس العكس، وهذا ممكن من خلال الضغط على المصالح الأميركية في المنطقة سواء أكانت اقتصادية أم عسكرية أم جيوسياسية، وقبل ذلك اتخاذ موقف عربي موحد تجاه الولايات المتحدة الأميركية، فعندما يشعر الأميركيون أن مصالحهم غير مؤمنه ومهددة ولاسيما أنها تعيش راهنا أزمة اقتصادية وتنافساً صراعياً إلى حد ما مع جمهورية الصين الشعبية ونمور آسيا كل ذلك يمنح العرب فرصة مناسبة لاستغلال ذلك كي تحسن الإدارة الأميركية الجديدة من سياساتها المنحازة ضد العرب أو على الأقل تعيد النظر فيها ولاسيما القضية الفلسطينية، حيث ذهبت إجارة الرئيس السابق دونالد ترامب بعيداً في الارتماء بأحضان العدو الصهيوني متجاوزة كل الخطوط الحمر التي لم تجرؤ إدارة سابقة على القيام بها ولاسيما نقل السفارة الأميركية للقدس المحتلة والاعتراف بقرار ضم الجولان العربي السوري المحتل للكيان الصهيوني الغاصب.
إن حالة الانقسام والشرذمة والتمحور الخاطئ وضعف الإرادة السياسية العربية وغياب حد أدنى من التضامن والتنسيق بين الدول العربية هي نقطة الضعف الكبرى في النظام السياسي العربي، ولعلها العامل الأبرز في انتهاج الإدارات الأميركية المتعاقبة لسياسات ضارة بالعرب وتصب في خدمة أعدائهم في الإقليم، وهي السبب الأساسي في استمرار انتهاك حقوق الشعب العربي الفلسطيني المشروعة والمتمثلة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين إلى ديارهم وهو ما نصت عليه القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وجرى التأكيد عليه في كافة المحافل الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
لقد أعطت الدبلوماسية الإيرانية والكورية الشمالية درساً أو دروساً في السياسة التي يجب تبنيها وانتهاجها بمواجهة الولايات المتحدة الأميركية، وهي الاعتماد على الذات وامتلاك عناصر القوة والندية في التعامل واحترام مصالح الأمة والقرار الوطني المستقل، وعدم الوقوع في فخي الابتزاز والتهديد باستخدام القوة، وامتلاك إرادة تهديد المصالح الأميركية وتوابعها وحلفائها في المنطقة، وفي مقدمة ذلك الكيان الصهيوني وأمنه المزعوم، وكذلك توسيع دائرة التحالف مع القوى الناهضة ولاسيما الصين وروسيا وغيرهما في القارة الأميركية والأفريقية كل هذه الحزمة من العناصر والأوراق السياسية والاقتصادية تشكل المدخل العملي والضروري لاجتراح بداية تغيير للسياسة الأميركية تجاه المنطقة العربية وقضايا العرب العادلة ومصالحهم المشروعة وحقهم في العيش بكرامة واستقلال سياسي حقيقي بدل التبعية والارتهان للأميركي ورأس حربته في المنطقة العدو الصهيوني المحتل.
إضاءات- د. خلف المفتاح