الثورة أون لاين – رشا سلوم:
نهندس شوارعنا ومدننا لتهندسنا هي فيما بعد وتترك بصمتها على كل شيء في حياتنا من خلال مقولة الإنسان ابن بيئته التي يعيش فيها.
هذه البيئة سواء أكانت طبيعة أم مجتمعاً هي التي تعطينا صفاتنا فيما بعد وتهندس سلوكنا.. فكيف إذا كان العبث سيد الموقف فيها فكراً وممارسة وسلوكاً وتوجهاً نحو الغايات الأخرى.. يعمل عليه مفكرون وكتاب وسياسيون تخدمهم وسائل العلم كلها والتطورات التقنية والطبية والنفسية لتكون فيما بعد قفزات حضارية ومن ثم ثقافية تارة تسمى ليبرالية وتارة أخرى ليبرالية جديدة وفي حالات كثيرة يذهب البعض إلى كونها حداثة أو ما بعد الحداثة ..
فإلى أين تقودنا هذه الموجة من الحداثة التي أطلق عليها المفكر المصري عبدالوهاب المسيري الحداثة المائعة التي لا شكل ولا لون لها .. وانعكاساتها في الثقافة العربية تظهر هشاشة وميوعة تصل حد أخذ الشكل الهلامي الذي لا يعرف من يلقي به على الأرض أي شكل يمكن أن يكون .
يظهر هذا في الفن والثقافة والتربية والحياة وحمى الاستهلاك وتحول الإنسان من الاهتمام بالنسق القيمي والمعرفي إلى التافه الذي يغدو بعد الانتهاء منه كأنه ريشة في مهب الريح لكنه شغلنا عن القواعد الأساسية التي هي قيمة العمل والإبداع والثقافة والقدرة على تجاوز الواقع وليس البكاء والصراخ والعويل وتقاذف المسؤوليات التي هي في المحصلة تعني الجميع ..
من هنا يعمل الغرب على تفكيك البنية الرصينة لأي مجتمع من خلال إشغاله بقضايا الهامش لا المتن العابر لا الأساسي..فيغدو الهدف الأسمى لمن يستهدفه هذا الوباء هو سد الرمق أو السعي للحصول على ما يحقق ملذات الجسد ..
تتناور في ذلك فنون الأدب والرواية والإعلام والسينما وغير ذلك مما يبتكره الغرب واليوم يكتمل ذلك الطوفان بما أسموه الفضاء الأزرق الذي غدا بصمة ملازمة للصغير قبل الكبير ..ويهندس حياتنا كما يحلو لمن يحركنا ..نظهر أحراراً فيما نقوم به لكننا في الواقع لسنا خارج خيوط الدمى التي يحركها اللاعبون من مواقعهم ..فكيف الفكاك من هذا الوباء الذي يجتاح كل شيء…
إنه الموت الناعم الذي يحقق لهم الربح عن قرب وعن بعد والموت الذي تظنه حياة وأنت تتجه إليه بفعل تحريك الغرائز والاندفاع إلى هالة تظنها نوراً لكنها ليست في المحصلة إلا النار المستعرة التي تحرق ولا تطهر، تفتك ولا تضيء.
فهل فكر أحدنا كيف لطفل في مقتبل العمر يعيش ربيع أيامه كما يظن أهله، كيف له بعد ربع ساعة من التعامل مع لعبة الكترونية أن يقوم بشنق نفسه أو يقوم بفعل عنيف صادم وقاتل ..يحدث هذا ويزداد كل يوم ثمة تصاعد مخيف في العنف الذي يبدو كأنه نابع من سلوك طبيعي لكنه في المحصلة غُرس في السلوك خطوة خطوة وإذا به يصل الهاوية التي لا عودة من حافتها وحين الوصول إليها فقد قضي الأمر ..