الثورة – غصون سليمان:
بين كوابيس المشهد الناري وحرائقه المتزايدة على ترانيم الوجع المزمن، يتوسل السوريون دعاءهم ، عله يستجاب عند مليك مقتدر.
فالطبيعة تبث وجعها كما يشكو البشر حيث النفوس المتعبة تطوف بالأفكار، وتسرح بالذكريات والأحلام القلوب الصابرة.. عذرا من الأيام التي غفت على وسائد الموت يتنازعها الخوف والقلق، وعذراً من الحاضرالذي يلملم آلامه ، فهل أعلنت الطبيعة غضبها ؟!.
في البحث عن مقومات السعادة والعلاقة بين الإنسان وروح الأمكنة، كانت الطبيعة بكلّ ما تعنيه من غابات، وتضاريس، وأودية، وتلال، وسهول، وحقول، ومزارع، وحدائق منزلية، هي المنتجع الأكبرالمتضامن مع النفس البشرية، وهي الونيس الحقيقي الذي يسمعك وانت تهمس وتصرخ و تعلي الصوت في حناياها وعلى ضفافها..
فهي لاتخدعك أو تغدر بك، ولاتشي بما تفوّهت به حين بحت لها بما أضاق صدرك.. بل تمنحك سعة الأفق، ورحابة النظر، وجمال الصورة . كيف لا… وهي الكنز الذي لا يقدر بثمن ففي رحمها استقرت أسرارالوجود المادي والمعنوي ، فكيف لبساطها الأخضر أن يخلع لونه ليتشح بالسواد ؟.
هي الطبيعة التي أعطتنا من أخشابها أسرة النوم، وخزائن الدفء المختلفة في أيقونات منازلنا ، وستائر نوافذنا، وطاولات موائدنا، ومن أغصان أشجارها صنع الحرفيون الأقلام التي دونا فيها شهادات التوثيق الأولى لتعلمنا حروف العربية ، وأيضاً لتكون نجاتنا اذا ماخضنا رحلة ترفيهية في عباب البحر..
أيام لاتنسى
تروي خالتي أم جابر ” كحلى الناصر ” القاطنة في إحدى قرى ريف اللاذقية حيث منزلها يتوسط ما بين الهضاب والسهول كيف التهمت ألسنة اللهب قبل ثلاث سنوات خضرة الجبال المجاورة يوم اندفع الأهالي كلّ حسب قدرته وإمكانياته إلى جانب الجهات المعنية للمساهمة في إطفاء الحرائق التي كانت في سباق مع الوقت حسب اتجاه الرياح.
فقدت خالتي يومها مئة وستين شجرة زيتون ،وسبع وسبعون شجرة غار مزروعة في سياج أرضها ، ناهيك عن الأشجار المثمرة الأخرى من حمضيات وفاكهة .
اما اليوم ومع جنون الحرائق فقد اكتملت المأساة حين ودّعت الطبيعة كامل اللون الأخضر لتهجو ذكرياتها على الأطلال التي أكلت شقوة عمرها في هذه الأرض..
خالد محي الدين – أبو محمد -الذي اعتاد على تقديم هدايا الكستناء لأصدقائه وأصحابه من أرضه الجبلية في موسم نضوجها، وخاصة في سنوات الحرب اللئيمة التي ضغطت على أنفاس السوريين وحاصرتهم الظروف في لقمة عيشهم ..
ليجد نفسه اليوم ليس خارج منزله فحسب، وإنما خارج المنطقة بأكملها بعدما فقد كلّ ماجناه من سنوات التعب ، إذ لم يعد من شيء يفقده سوى النجاة بروحة بعد غدر النيران بمحاصيله الزراعية من أشجار ونباتات وخضراوات وفاكهة .
أما المهندس الزراعي عاصم حسون الذي وصف واقع الحرائق “بالنكبة” بكلّ ما للكلمة من معنى وعلى جميع المستويات، فلا شيء -حسب رأيه- يعوض عزاء السوريين فيما خسروه من غطائهم النباتي وتنوعهم البيئي ، داعياً السوريين من صغار وكبار للوقوف صفاً واحداً في مواجهة هذا الاختلال الشرس في بنية الطبيعة عبر حرصهم ويقظتهم وتكاتفهم وتعاونهم في معركة التحدي للتخفيف من وطأة خسائر البيئة .
أي قدرة لألسنة اللهب هذه ، وأي عصيان وتمرد تفعله تلك النيران المتنقلة في كلّ الأرجاء السورية ومنذ سنوات وإلى اليوم تقول الزميلة لمى سمعان ..وتتساءل أي وزر أو ذنب اقترفه السوريون حتى يعاقبوا هكذا..
أشياء لا تصدق وان كنا نراها ونرسم في الذاكرة أكبر لوحة للبؤس .
تفاصيل علمية
إن جذور الأشجار تساعد على تثبيت التربة ومنع انجرافها بفعل الرياح والأمطار، ما يحافظ على خصوبتها ويمنع تلوث المسطحات المائية.
كما تساعد الغابات في تنظيم دورة المياه، حيث تقوم بامتصاص مياه الأمطار وتخزينها في التربة، ما يساهم في توفيرالمياه العذبة وتغذية الأنهار والبحيرات.
ولعل الأهم في الغابات أنها تعتبر من أكبر المصارف الطبيعية للكربون، حيث تخزن كميات كبيرة من الكربون في الأشجار والتربة، ما يقلل من تركيزه في الغلاف الجوي ويحدّ من تأثيره على التغيرات المناخية.