الثورة أون لاين – لميس عودة:
الغزو الواسع والممنهج ثقافياً وأخلاقيا الممارس على دول منطقتنا من قبل قوى الشر العالمي، يهدف لإفراغ مجتمعاتنا من مخزونها الأخلاقي وذخيرتها القيمية عبر إيكال هذه المهمة لمختصين في غزو العقول، والضالعين في تشويه القيم وتسطيح المفاهيم الأخلاقية من أمثال أصحاب نظريات” الانفتاح اللا محدود “، من أجل الخروج بشكل كامل من بوتقة المعايير الإنسانية والضوابط المجتمعية التي تشذب وتهذب علاقات أفراد المجتمع وتضبط سلوكياتهم حتى يتمكنوا بنهاية مشروعهم التخريبي من الوصول إلى انحلال مجتمعي مطلق يجعل من هذه المجتمعات وأفرادها لقمة سائغة بين أنياب وحوش الغزو الهدام، و فريسة سهلة التبعية والانجرار وراء شذوذها وتطرفها في أفكارها ومعتقداتها، فيسهل قيادتها كقطعان معصوبة البصيرة والإدراك لتهدم مجتمعاتها وتخرب مخزونها و ارثها القيمي والأخلاقي والإنساني، وبالتالي تحقيق الغاية المرجوة من قبل مشغلي هؤلاء المنظرين الدعاة الجدد للحرية المنفلتة من أي ضوابط أو مسؤولية اجتماعية، والذين أنيطت بهم مهمة دس سموم الانفلات في أقراص الخداع المخدرة، ما يمكنهم من تنفيذ أجنداتهم التخريبية وتحقيق مآربهم بالهيمنة والسطوة الاستعمارية بعد هدم هذه المجتمعات من الداخل وإفراغها من أي مفاهيم قيمية وأخلاقية.
يعمد منظرو الانحلال والإفساد الأخلاقي من خلال نفث سموم الليبرالية الحديثة الهدامة لتلغيم الطروحات وتعويم المشوه من السلوكيات تحت شعارات براقة مغلفة بحرية الفرد في تصرفاته ومفخخة بالانحلال القيمي، لتمرير قيم وسلوكيات خاطئة وعادات سيئة تنخر بنية الروابط الأسرية والمجتمعية، كما يسعون إلى طمس العقول وتحريك الغرائز بما يتماشى مع الغايات الخبيثة المعدة في مختبرات التضليل بما يسهل انقياد الأفراد وراء كل ما يتم طرحه من طروحات للنيل من بنية المفاهيم الناظمة لتخريب المجتمعات عبر تضخيم فكرة الأنا المرضية وتعزيز سبل انقيادها بسلاسة لتسهم بتدمير مجتمعاتها وتحقيق أجندات من يبثون سمومهم.
وهنا وانطلاقا من الوعي والإدراك لأبعاد وغايات هؤلاء التخريبية، ولمواجهة هذا السيل الجارف من الضخ الدعائي المغرض تقع على عاتق الدول مهام جسيمة للتوعية والتحصين لمنع الانجرار وراء خبث الغايات المرادة من وراء هذا الترويج الدعائي المسموم الذي يتم ضخه بكثافة عبر الشبكة العنكبوتية المباحة، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك يجب تحصين المجتمع بمعايير من المنعة والحصانة وخاصة فئة الشباب الفئة الأكثر استهدافا لما يعقد عليها من آمال مستقبلية لصون أوطانها والارتقاء بها علميا ومعرفيا، ضمن برامج وطنية شاملة ومدروسة تحفظ لهم توازنهم النفسي واستقرارهم الاجتماعي والتمسك بالقيم الايجابية البناءة ولفظ الأفكار المتطرفة والعنف والفكر الإرهابي الذي يتم تسويقه تحت شعارات مفخخة.
وهنا يأتي دور الأسرة أولا والمؤسسات التربوية والاجتماعية ثانيا لإنشاء جيل مسؤول وواع ومدرك لأبعاد المؤامرة التي تستهدف تسخيف القيم وتسويغ الموبقات كحريات فردية، فالنشء السليم المعزز والمحصن بضوابط الأخلاق والمسؤولية المجتمعية المتطور بعقله وفكره هو القادر على غربلة الطروحات، وإبعاد الهدام والتخريبي منها، والحفاظ على المفاهيم البناءة لفهم معنى الحرية المسؤولة دون انفلات ولا تعصب ولا ضيق أفق، ووحده سيكون قادرا على التأثير الإيجابي الذي يقود المجتمع بالمجمل إلى التطور بعيدا عن التعصب الأعمى، ولغة الأنا المقيتة.
لذا يجب العمل على فتح قنوات توعوية وإعلامية لقطع الطريق على مروجي الفكر المتطرف الهدام والأفكار الانحلالية، إضافة إلى ترسيخ مفهوم المشاركة، والحرية المسؤولة، وذلك عن طريق برامج تربوية شاملة متصلة لها التأثير العميق في غرس قيم الانتماء الحقيقي للنهوض بالوطن ومقدراته، ولتصبح مؤسساتنا التعليمية ورسالة الإعلام أيضا قادرة على ترجمة نظرة التفاؤل بمستقبل الوطن وقدرة أبنائه ونضوج تجربتهم لتجاوز كل الصعاب، وذلك يسهم بشكل فاعل في تحصين أبناء الوطن من كل السلبيات والأفكار الهدّامة والمتطرفة والإشاعات المغرضة.
فالأمم لا ترتقي وتتطور إذا فقدت قيمها، والحضارات لم تنشأ وتبلغ ذروة أمجادها على مر التاريخ إلا بالعلاقة الفعالة البينية المتبادلة بين الأفراد ومؤسساتهم الوطنيةْ، وهذا ما توثقه صفحات التاريخ، وتؤكده أدلة وشواهد الحضارات، فالتسويق الملغوم للانعتاق الكامل من نواظم الأخلاق ومفاهيم القيم، والترويج لفكرة الانحراف عن سكة الدولة وتشريعاتها وقوانينها الناظمة والعقائد السليمة التي تكبح الشذوذ الأخلاقي وتردع التعديات على الآخرين، وفقا لمقولة تنتهي حرية الفرد عندما تصبح مصدرا للخطر وتصل لإيذاء الآخرين على كل الصعد، والخروج من الروابط المجتمعية بدءا من الأسرة، لا يؤدي إلا لخراب منظومة المجتمع كاملة وصولا إلى تهاوي القيم وانحدار المجتمعات إلى الرذائل في التصرفاتوالسلوكيات بما يفقد المجتمعات قدرتها على الاتزان ويصبغها بصبغة شريعة الغاب، فيصبح التعدي والإجرام والتطرف الفكري والديني هو الغالب والمسيطر، ما يفقد أفراد هذه المجتمعات سبل أمنهم وأمانهم.