الملحق الثقافي: هفاف ميهوب:
حين يولدُ الكريمُ، يَلدُ الكَرمُ مكارمَهُ الدَّالةِ عليه، ومَن أكرمُ من الشِّتاءِ مطراً؟.. ومَن أكرمُ من المطرِ خيراً؟.. ومَن أكرمُ من الخيرِ فرحاً؟.. وعلى هذا تُقاسُ المكارمُ، ويُكنَّى بها أصحابُها، أعلاماً في رأسها نارُ.
عندما كان إلهُ المطر والخير «بعل» يقاتلُ إله القحطِ والشرِّ «موت»، كان ذاك لوجهِ الكَرمِ الذي لا يحدّهُ حدٌّ في قلبِ إلهٍ عظيم، استوطن «صافون» جبلاً يطلُّ على الحقول والبيادر.. كان ومازال عمله، يصبُّ في استخراج نفائسِ الأرض، ليُلبسها الأخضر المعشاق دون مِنَّةٍ، ودون انتظار كلمة شكرٍ منها، أو من ذاك الذي يعتاشُ منها وعليها.
وتتحفُنا أساطيرُ المطر بقصّة العجوز التي تحدَّت شهر «شباط» وكرمهُ الذي أودى بحياتها، حين قدّم من عمره يومين إكراماً لـ «آذار» الذي عليه أن يُبدي محاسن الإله «بعل» على خدودِ الجبال، ومباسمِ السفوح، وضواحكِ الأنهار في الوديان.
فيا تُرى، هل كان «شباط مجرماً» بكرمهِ العاصف؟.. أم إن تلك العجوز الجاهلة، لم تدرِ ما كان عليها القيام به؟..
ها هو الشّتاء يلملمُ غيومه وخيراته، ليبدأ عرس الأرض بإغداقِ «شباط» الخير، على أخيه «آذار».. وها هو «آذار» يسدُّ نقص أيامه التي أعار منها لأخيه يوماً مقابل يومين منه، ويبقى كرمُ «شباط» مثالاً يرقى على كلِّ الشُّهور، فأين ذاك الإنسان من ذاكَ الكَرم؟!.. هل يدركُ حقيقةً ما معنى الكرم؟!..
قيلَ عن «حاتم الطائي» إنه رمزُ كرمٍ منقطع النظير، وهو رمزُ الكرمِ لدى العرب، وقد يكون كرمهُ بسيطاً، أمام كَرمِ «شباط».. فمن يعطي من عمرهِ ساعةً واحدة في سبيلِ أحدٍ ما؟..
الأم تُعطي وربّما تقدّم عمرها كلّه، حين تكون المفاضلة بينها وبين ابنها، فتفضّل أن تموت ليحيا..
هنا يكمنُ كرمُ الألوهة، ويفوقُ كرمَ الأكارم والأكرمين.
هكذا يبدو آذار بكرمه الربيعي، وكرمُ الأمومة اللامتناهي، حين يقرّرُ عزف أناشيدِ الربيع على أخاديدِ أمّنا الأرض.
mayhoubh@gmail.com
التاريخ: الثلاثاء9-3-2021
رقم العدد :1036