الثورة أون لاين – حسين صقر :
لم تكن دعوة الليبراليين يوماً لتحرير الإنسان كما يدّعي عرّابوها ، لأن تلك الحرية تقبع في عقله وفكره ، وليست بحاجة لإطلاقها ، لكن أولئك كانوا يعملون العكس ، ظناً منهم أن السلوك اللااخلاقي الذي يمارسونه سوف ينطلي على أصحاب الفكر والمتنورين ، لكن أبداً لن تكون نتائج معادلاتهم ونظرياتهم كما يشتهون ، لأن فرضياتها وطلباتها وبراهينها أصلاً خاطئة ، حيث استئذابهم للإنسان واضح ، ومشروعهم سوف يلقى مواجهة كبيرة .
السيد الرئيس بشار الأسد شخَّص تلك الحالة بحكمته ، وشرّح حيثياتها ، منوهاً بأن الليبرالية ودعاتها يجهدون لقهر الإنسان وابتلاعه وقتل روحه .
فبالتنبه إلى مخاطر الليبرالية الجديدة ، نستطيع بناء خطط ومستقبل أمثل للإنسان ، كما نستطيع أن نرسم له صورة عن المجتمع المثالي الذي يمكنه العيش فيه ، وبذلك نوقف نمو وتطاول الليبرالية ، رغم وصول خطرها لبنية ذلك المجتمع ، من خلال العولمة ووسائل التواصل والترويج لاستخدامها وفق غايات تساهم بانحلال المجتمعات ، وتخريب سلوكها وتدمير أساساتها .
ولهذا يجب أن نعلم بأن الليبرالية الجديدة جاءت لغاية تدميرية فقط ، واقتياد الإنسان ولاسيما في العالم النامي إلى البحر و إبقائه عطشاً أو دفعه للغرق ، لتكون غاياتها النهائية ابتلاعه أو قتله كما أسلفنا .
ومن هذا المنطلق ، فما يسمى بالتقدم الذي بشر به أصحاب الفكر الليبرالي ، ما هو إلا إعادة تشكيل ممنهجة ، يتم خلالها تعديل وتشكيل قيمنا ورغباتنا وهويتنا ومن ثم تغيير طبيعتنا الإنسانية ذاتها كما يريد أولئك .
ففي مقالته الشهيرة ، التي نشرت قبل أكثر من مئتي عام ، أوضح الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط جوهر مشروع التنوير والحداثة ، وهو تحرير الإنسان من كل قوى الاستلاب التي تقف بينه وبين حريته في ممارسة اختياراته وإعمال عقله وتحديد مصيره ، وتشكيل تصوراته عن العالم ، حتى جاء أصحاب الفكر الليبرالي المعادي ليستظلوا بتلك التعريفات والمفاهيم ، مرتدين عباءة ملوثة ومتسخة يزكمون فيها أنوف التواقين لحرية الفكر ، وليس حرية الممارسة والتصرف لإيذاء مشاعر الآخرين .
فالحرية باعتبارها إعادة الاعتبار للإنسان في هذا العالم ورفع أغلال القوى التي تسلب وجوده وذاتيته ، كانت هي الشعار الأبرز لعصر التنوير والحداثة ، لكن الليبراليين الجدد أخذوها إلى مكان آخر مختلف لتحقيق مصالح شخصية وأهداف لا أخلاقية .
تلك الممارسات ظهرت في الاقتصاد الإقطاعي الذي يمنع الإنسان من حقه في التملك وحرية التنقل وتحديد مصيره بنفسه ، وفي السُلطة الروحية مُمثلة في تأطير العقائد ، وفي السياسة بالقطبية الأحادية ، التي تصادر عقل الإنسان وتمنعه من بناء تصوراته عن العالم .
تلك هي القاعدة التي انطلقت منها الأيديولوجيا الليبرالية، وأخذت أشكالاً رأسمالية وبرجوازية ، وتلطت تحت جناح الحركات الثقافية والاجتماعية ، بعد أن تم النظر إلى أفراد المجتمعات بتعال ، حيث يصنعون المعنى ويدركون أبعاده ، وتم اعتبار التاريخ مسافة نقطعها بين حاضرهم وماضي تلك المجتمعات والمستقبل الذي يعيشه هؤلاء ، أو حركة “فريدة” تجاه مستقبل مُحمَّل بكل أشواق وأحلام البشر .
تلك الأفكار هي القاعدة المعرفية التي انطلقت منها الأيديولوجيا الليبرالية الرأسمالية ، المعبرة عن القوى المعادية الصاعدة والراغِبة بإنهاء إنسانية الإنسان