الثورة أون لاين – رنا بدري سلوم :
الليبرالية هي الإيديولوجية الأولى والأقوى في العالم الحديث ، لقد تحولت الليبرالية منذ العقود الأخيرة من القرن العشرين إلى ما يسمى ” الليبرالية الحديثة” وأصبحت الإيديولوجيا المهيمنة على العالم الغربي وكذلك العالم الحداثوي و التأثر بالغرب ، لاشك أن في الليبرالية هي الإيديولوجية الرائدة والأساسية في الفكر الحداثوي ويبدو أنها أقدم نظرية في الفكر الغربي وأكثرها صموداً ، إنها تمثل الإيديولوجية الرئيسة في النظام الرأسمالي الغربي الحديث وهي أكثر نظرية تتطابق وتتواءم مع مصالح الطبقة الرأسمالية الحديثة والعلمانية .
ذكر البحث المترجم “الليبرالية” من سلسلة مصطلحات معاصرة محاولة للإحاطة بالليبرالية كنظرية ومفهوم ، فيه يقدم الباحث في مجال الأدب والثقافة والسياسة الصحفي الإيراني “شهريار زرشناس” قراءة تاريخية للنظرية الليبرالية بوجهيها الكلاسيكي والمعاصر ، ويبين الأسس الفكرية والفلسفية التي ارتكزت إليها كما وردت في المدارس والتيارات الحديثة في أوروبا .
لقد تمخضت النظرية الليبرالية عن الفكر الغربي في القرن السادس عشر ، وأصبحت أيديولوجيا واضحة المعالم ومهيمنة في القرن السابع عشر وانتشرت بشكل متدرج ولعبت دورا أساسياً ومهماً في المجال السياسي طوال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، وكانت سبباً في تحولات اجتماعية وسياسية في المجتمعات الغربية ، وفي سياق تطورها التاريخي أصبحت لليبرالية أقسام مختلفة ، ويمكن تلخيص هذه العناوين إلى ثلاثة ، أولاً : “الليبرالية الكلاسيكية” التي نشأت في القرن السادس وكانت كهيئة “الجنين” الذي لم يكتمل وبرزت في القرن السابع عشر بهيئة إيديولوجية متكاملة ومؤثرة ولعبت دوراً بارزاً وأساسياً طوال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر خدمة للمصالح الرأسمالية الحديثة في المجتمعات الغربية ، وكذلك لتأمين الأهداف الاستعمارية التي رسمها المستعمرون الغربيون في البلدان والدول غير الغربية ، فقد استمرت الحياة الليبرالية الكلاسيكية إلى حد ما طوال العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين ولكن تراجع دورها المؤثر بالتدرج بتوسع الأيديولوجيات الفاشية الاشتراكية ذات التوجه الماركسي والاشتراكية ذات التوجه الديمقراطي .
ثانياً : “الديمقراطية الاشتراكية” التي تعود نشأتها للنصف الثاني من القرن التاسع تمثل الجانب المعتدل من الليبرالية ، إذ تبلورت إثر الأزمات والانتكاسات التي واجهتها الليبرالية الكلاسيكية واعتمدت كمنهج لإنقاذ الرأسمالية الغربية .
لقد صعد نجم الديمقراطية الاشتراكية في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية واستمرت حتى العقد الثامن من القرن العشرين ، وتراجع دورها لاحقاً مع نشوء الليبرالية الحديثة .
ثالثاً “الليبرالية الحديثة” تمثل أحد أنماط الليبرالية ، إذ تشكل أساسها النظري في بدايات القرن العشرين ويمكن إرجاع ذلك إلى أواخر القرن التاسع عشر ولكن تنظيرها الحقيقي المنسجم بدأ بعد النصف الثاني من القرن العشرين ، وبرزت منذ أواخر السبعينات بصفتها الإيديولوجية المهيمنة والمتنفذة في الفكر الغربي ، وهي الآن تعد النظرية الرائدة والحاكمة بلا منازع في العالم الحديث .
وفي نهاية الكتاب ترجمة “حسن الصرّاف” لخص الكاتب الأسس الفكرية لليبرالية ، ذاكراً “جون لوك” وهو المفكر السياسي الانكليزي أحد أقطاب الليبرالية الكلاسيكية الذين قدموا لأول مرة صورة واضحة لمحاور الليبرالية الكلاسيكية وأساسياتها : أ
إن الحرية الليبرالية في النهاية تسعى للحفاظ على المصالح الرأسمالية .
وأخيراً ، إن المراد من هذا البحث وكما ذكر الكاتب إزالة الغموض حول الكثير من المصطلحات والمفاهيم التي غالبا ما تستعمل في غير موضعها أو يجري تفسيرها على خلاف المراد منها ، وبيان حقيقة ما يؤديه توظيف المفاهيم في ميادين الاحتدام الحضاري بين الشرق والغرب وما يترتب على هذا التوظيف من آثار سلبية بفعل العولمة الثقافية والقيمية التي تتعرض لها المجتمعات العربية والإسلامية وخصوصاً في الحقبة المعاصرة