تستعر الحرب الاقتصادية على سورية، ويشتد حصار الأشرار ضدها، وعلى رأس المحاصرين أميركا وأتباعها من الأجانب والعرب، ويفرز هذا الحصار طوابير بشرية ( أرتال بأعداد كبيرة من الرجال والنساء والشباب الصغار على الأفران ) وحديدية (سيارات بأعداد هائلة على محطات الوقود )، ويلح مجلس الوزراء على المسؤولين، أن يكون عملهم ميدانياً وأن يصغوا إلى الناس وأن يعملوا على تقليص الازدحام.
يوم أمس خدعني طفل كان يحمل ربطتي خبز، سألته متوسماً فيه البراءة والصدق: هل الازدحام شديد على الفرن؟
أجاب: لا يوجد ازدحام.
لم أصدق ومع ذلك هرعت إلى الفرن، رأيت ازدحاماً، أقل من الأيام السابقة ما أغراني بالوقوف على أمل أن أظفر بربطتين، وكالعادة، توقف التوزيع ريثما يجري تحميل العربتين مرة ثانية، وكنا ننتظر في مثل هذه الحالة ١٠ دقائق، ولكن الانتظار طال هذه المرة نصف ساعة، وجاءت العربتان مرة ثانية، وبدأ التوزيع إلى أن فرغتا، فقالت البائعة، خلصنا، وأغلقت النافذة الحديدية، الساعة الخامسة بعد الظهر.
رجعت مثل الصياد الفاشل، القصة التي قرأناها في الصف الثالث الابتدائي عن صياد لم يظفر بأرنب فاشترى من السوق أرنباً وعلقه بحبل على غصن الشجرة وأطلق عليه النار فأصاب الحبل، فقطعه الطلق الناري، سقط الأرنب أرضاً وهرب.
في صباح يوم أمس طلب باعة الخبز على الأرصفة ألف ليرة ثمن الربطة، على امتداد المسافة من الفرن الآلي في المزة إلى فرن الشيخ سعد – الموحد – ، استفزني الرّقم ( أتربح تسعمئة ليرة بالربطة) رفضت الشراء، لكنني وقبل غروب الشمس بقليل أذعنت واشتريت وحمدت ربي أنها ظلت عندهم بألف ليرة.
هذه التفاصيل تثبت أن الطحين موجود وأن الخبز متوفر، ولكن المشكلة هي في التوزيع، وفِي غياب الأداء الميداني بدءاً من مدير الفرن ومعاونيه، إلى موظفي وزارة – التموين- إلى كل الرسميين والشعبيين في الإدارة المحلية كلجان الأحياء، مروراً ولو برجل أمن واحد ببدلة رسمية، يرفع صوته ضد الفوضويين، إن حارة خلفية نرى فيها أكثر من شرطي سير لتنظيم المرور، فما بالنا بفرن ينتج ٢٤ طناً في الْيَوْم، يتعامل معه ١٠ آلاف نسمة كل يوم في ازدحام هائل وهو متروك دون أي تنظيم أو رقابة.
وأكثر من ذلك، ففي زمن مضى، كان الفرن يستمر في العمل حتى الحادية عشرة ليلاً، فلماذا يغلق أبوابه الآن في الخامسة بعد الظهر ولماذا يعطل يوم الجمعة، وسط هذه الهجمة غير المبررة والمبهمة على خبز متوفر، يؤخذ للتجارة، واضح أن الحصول على القمح كان صعباً بسبب الحصار والحرب التي حرمتنا من قمح أرضنا وقيام الأميركان في الحسكة بسرقته، ولكن جاء القمح مؤخراً من روسيا حليفتنا في الحرب ضد الإرهاب.
أشبعوا السوق ينتهي كل شيء.
أجبت على أسئلتي قائلاً: لا يوجد عمال لوردية ثانية، الأجر ضئيل والحوافز ضحلة، أخطأ من جعل الربطة بمئة ليرة، لو حددها ب٩٥ ليرة لدفع الناس المئة طوعاً وتركوا للفرن الخمس ليرات ولتراكم المبلغ اليومي ليشكل حافزاً هائلاً لجميع العاملين في الفرن ما يحصن ضد التواطؤ مع باعة الارصفة، ويؤجج حماسة العمل الإضافي لعدة ساعات ويوم العطلة.
شدة وتزول، عشنا مثل هذه الصعاب سابقاً، عندما سنبدأ بإعادة الإعمار ستزول البطالة المقنعة الراهنة وسيتم الزج بمن يبيعون الخبزعلى الأرصفة، بورش البناء، وستتقلص الكثافة السكانية، في الحارات، لترى النور المدن العمالية الصغيرة المخدمة جيداً وحديثاً وحضارياً.
إن الازدحام الراهن وصمة عار على جبين أعداء سورية الحضارة والتقدم، سورية المتشبثة بكرامتها وحريتها ووحدتها ، المقاومة للإرهاب الدولي براياته السوداء، وتعصبه الأعمى وسكاكينه وبلطاته وجنونه في دق الأعناق وأكل الأكباد وشرب الدماء.
أروقة محلية – ميشيل خياط