الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
ملحمة إنسانية معشّقة بالحب الخالص النقي كالذهب ، إنه حب الوطن والأرض والأم والحبيبة ، ملحمة تتمازج فيها بطولات الجيش العربي السوري مع التضحيات على أكثر من صعيد ، فالتضحية هنا هي حالة متكاملة تُعاش بإخلاص واندفاع بكل ما تحمله من عمق وجداني ، الجندي الذي يحارب ببسالة على جبهة القتال ليس مقاتلاً فقط وإنما هو إنسان مجبول بالكثير من العواطف ، لديه أم تنتظره وخطيبة وأخت وأخ يتوقون لسماع صوته وإن عبر الهاتف لمعرفة أنه بخير ، لديه أهل يترقبون بشغف إجازته ليعيش معهم حالة الدفء العائلي ويعود بعدها إلى ساحة الوغى ، كما يمتلك في داخله الكثير من الآمال والطموحات لبناء مستقبله ، لكنه يضحي بذلك كله عن دراية وإصرار وحب في سبيل رفعة الوطن والذود عن ترابه . بهذه الرؤى التي تحمل دلالاتها والكثير من الأبعاد وتغوص إلى عمق الأشياء ومكنوناتها متلمسة التفاصيل التي تحيك بخيوطها فسيفساء الحياة بكل ما فيها من ألم وفرح ونبل وتحد، قدم فيلم (أنت جريح) حكاية قد تعيش تفاصيلها أي عائلة سورية وأي جندي عمل لصد آلة الإرهاب والدمار والخراب ، لم يقف الفيلم عند حالة واحدة أو ذروة واحدة وإنما ذهب ليشد المشاهد إلى الأقصى مجتزئاً صورة من واقع تعج بالتفاصيل النابضة بالحياة عبر كل زاوية منها .
فيلم (أنت جريح) الذي عرض مساء أمس عرضاً خاصاً في دار الأسد للثقافة والفنون حمل توقيع ناجي طعمي مخرجاً وقمر الزمان علوش كاتباً ، وهو من إنتاج الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ــ مديريّة الإنتاج التلفزيوني . لقد بدا واضحاً سعي صناعه منذ البداية لأن يرى النور بالصورة الأبهى ، فانطلقوا من اللبنة الأساسية متكئين على نص مُحكم مليء بالأحداث المشوقة وبحالة عاطفية عالية من شأنها تعميق الفعل الدرامي للوصول إلى التأثير الأمضى ، فتم تناول العديد من القضايا التي تلامس الوجدان بما فيها الشهداء الأحياء ومصابو الحرب وآلية تعاطيهم مع الحياة وفهمهم للمحيط ، هذا النص الذي تلقفه مخرج أعاد كتابته بالصورة وفق مشهدية التقط من خلالها التفاصيل مشتغلاً على البعد الإنساني والحياتي ملامساً خلجات الروح بكاميرا مقتحمة تارة وراصدة تارة أخرى وتلاحق الوجع والمشاعر تارة ثالثة ، محققاً صورة ساحرة أقرب ما تكون إلى صورة مرسومة بريشة تفيض شاعرية حتى في أشد المشاهد قسوة ، ولم يترك شيئاً للمصادفة فظهر اعتناؤه بمفاصل الفيلم كلها بما فيها الإضاءة واختيار أماكن التصوير والاكسسوار والمعدات ، والموسيقا التي شكّلت عاملاً مؤثراً ومحرضاً وقدرة الأصوات البشرية التي رافقتها في أماكن معينة الولوج إلى الأعماق ، كما بدت إدارته للممثلين واضحة محرضاً طاقاتهم الإبداعية ، فامتلك كل منهم قدرة عالية على إيصال العوالم الداخلية للشخصية والتعبير عنها بعفوية وإحساس عالٍ . وبالتالي جمع الفيلم الكثير من الأبطال ، فلم يكن الممثلون وحدهم أبطاله ، وإنما الإخراج والقصة والأفكار ومجمل العناصر الأخرى ، حيث استطاع المخرج تحويل كل منها إلى بطل حقيقي .
هي حكاية جنود في سكنة عسكرية يصدون هجوم الإرهابيين وينفذون مهام يٌكلفون بها ، نتعرف عليهم عن كثب من خلال جنديين صديقين ، نعيش معهما لحظات تعتبر فيصلاً في حياة كل منهما تنوس بين الحب والألم والأمل والفراق والانتظار لتصل حد الاستشهاد والتعرض للإصابة . وفي الوقت نفسه نعيش معهما التفاعل الدافئ مع العائلة حيث الأم المعجونة بالحب والنبل والقوة والعزيمة ، والفتاة التي تُمثل الحياة بكل ما فيها من صدق وعفوية وطاقة والرافضة أن تكون ما لا يشبهها ، والأخ المُقعد الذي سبق وأصيب في إحدى المعارك.. هي شخصيات تحمل معها تحولاتها وتفاعلها مع الأحداث .
متعددة هي الرسائل التي حملها الفيلم مشهداً بعد آخر بسلاسة وشفافية لا تخلو من المرارة ، الجندي الذي أحب من قلبه ، الأم الثكلى بابنها المقعد ومن ثم بابنها الشهيد ورغم ذلك تقف شامخة كشجر السنديان تلملم الجراح ، هي الأم التي تنظر لشباب الوطن على أنهم ابناؤها ، وعلى ضفة أخرى نتابع الجندي الذي استطاع مع مجموعته أسر عدد من الإرهابيين القتلة وكيفية تعامل القيادة مع الأمر، مؤكدة أن سورية أم لكل سوري ، الجندي الذي يطرح مفهومه لمشاركته في القتال (حاربت من أجل فكرة) ، وفي مكان آخر نتابع سريّة من الجيش تساهم في حماية ونقل المحولات والأجهزة لضمان وصول الكهرباء للناس في دلالة ومؤشر على حضور الجيش في كل مكان ليحمي الوطن ويصون أبناءه في مختلف المناحي ، وإن كان الثمن الدم الغالي الذي يروي تراب الوطن بكثير من السمو والنبل.