قد لا نحتاج إلى تقرير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لنتأكد أننا نواجه في سورية تحديات كثيرة ناجمة عن تداعيات الحرب العدوانية المستمرة منذ عشر سنوات، ولعل أكثرها خطورة وحساسية مسألة الأمن الغذائي الذي لطالما ارتبط تحديد مستوياته بدرجات توافر العديد من العوامل، أهمها الأمن والاستقرار ودرجة النشاط الاقتصادي في البلاد، وسرعة دوران عجلة الإنتاج بمختلف المجالات..
ولا نذيع سراً إن قلنا أن هناك حالة تراجع واضحة وخلل أصاب الأمن الغذائي لدى شريحة من المجتمع، نتيجة لعوامل ترتبط مباشرة بظروف الحرب ومشتقاتها، وهذه الشريحة لا يستهان بها إذ إنها تشكل على الأقل 35% من المجتمع، وربما هي قابلة للازدياد مع استمرار العوامل المسببة لهذا الخلل.
وكثيراً ما أظهرت استبيانات الرأي حول هذه النقطة أهمية الاهتمام بالقطاع الزراعي وتوفير كل الظروف المناسبة، لتحقيق أعلى نسب إنتاج ممكنة من الأغذية وخاصة الرئيسية، وهذا ينطبق على معظم البلدان، فكيف بسورية وهي بلد زراعي وتتوافر فيه بيئات متنوعة تناسب معظم الزراعات ومنها الرئيسية.
ومؤخراً أظهر استبيان الرأي الذي أجرته (الثورة) صوابية هذا الرأي ودعمت نتائجه فكرة الاهتمام بالزراعة والثروة الحيوانية وتوفير مستلزماتها بنسبة 47%، الأمر الذي يحتم التوجه بهذا الاتجاه دون النظر إلى الكثير من التفاصيل التي قد لا يصلح النظر إليها في مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد.
وكثيرة هي الأفكار والمقترحات والطروحات التي أكد عليها المؤتمر الأخير الذي عقدته وزارة الزراعة بالتشارك مع الأطراف المعنية بالقطاع الزراعي، والجميع دعم هذه الفكرة لجهة إيلاء الفلاح والزراعة أهمية قصوى لزيادة الإنتاج الزراعي كماً، وتالياً يمكن البحث في ثنايا تطوير الأنواع المنتجة وتحسين سلالاتها، هذا يأتي في خطوة لاحقة بعد إنجاز الهدف الأول وهو تأمين حاجيات المواطنين الغذائية الأساسية من الإنتاج المحلي في ظل حصار اقتصادي خانق يمنع ويعوق دخول أي من تلك المنتجات عبر الحدود.
إن ما نواجهه اليوم من تحديات جسام لا ينتظر الكثير من البحث في التوصيات ومقترحات اللجان وآراء الخبراء والمختصين، بقدر ما يتطلب حركة مباشرة على أرض الواقع تتميز بالجدية والمتابعة والتدقيق، من شأنها دعم هذا التوجه في جعل الزراعة أولوية، فتدهور الحالة الغذائية يترتب عليه المزيد من المشكلات الصحية والنفسية والتعليمية والاجتماعية وغيرها، التي قد تضيف متاعب من نوع آخر لسنا مضطرين لمواجهتها.
كلمة الموقع – محمود ديبو