الملحق الثقافي:آنا عزيز الخضر:
مسرحنا السوري عالمٌ خاص، ومنارة يشهد لها الجميع، التاريخ والأعمال، الخبرات والأعلام، الكوادر والمنجزات، فقد صنع سجلّه الناصع ومسيرته، بجهودِ نُخبه وكتّابه ومخرجيه، ممن ترجموا مسؤوليته كوسيلة فنية اعتبرته أبو الفنون، سابقاً وﻻحقاً.
لقد تلألأت نجومه في فضاءاتٍ صاغت مسيرته المشرّفة، وتوفرت شروطه النوعية تقنياً وفكرياً على الدوام، دون أن ننسى أهمية وجود المعهد العالي للفنون المسرحية، حيث أتحف الساحة الفنية بكوادر وفنانين أكاديميين، صنعوا للفنّ وجهاً متألقاً، متداخلاً مع المعرفة والاحترافية المتميزة، وإن تابعنا أعمال المعهد المسرحية، وجدنا تضافر الموهبة المصقولة بالعلم، والدراسة مع حب البحث، والالتزام بالدقة الاحترافية وتقنياتها.
مثلاً: العمل الأخير «حيث وضعت علامة الصليب»، إشراف «الدكتور تامر العربيد»، انتزع إعجاب الجمهور والنقاد والطلاب وأساتذة المعهد، بالجهد المتضافر بين الإشراف والإخراج، ومجموعة طلاب السنة الثالثة ممن قدموه كمشروع امتحان، رأينا فيه كيف يُصنع النجاح الفني.
حول ذلك، وعن هذه المسرحية تحديداً، قال لنا بطل العرض «سامر سالم»:
«حيث وضعت علامة الصليب»، مسرحية لـ «يوجين» تمّ تنفيذها كمشروع فصل أول، سنة ثالثة، في المعهد العالي للفنون المسرحية.
تمّ اختيار هذا العرض، وعمل دراما تورجيا له، بالتشارك مع طلاب قسم الدراسات، حيث كان هذا الفحص مفتوحاً ليحضره الجميع، وقد تمّ العمل على المونولوج الداخلي، والحسي الانفعالي عند كلّ ممثلٍ، لينعكس أو ليعكس مكنون ما يراه أو يعتقده، كي يصدّقه الجمهور.
على الرغم من صعوبة الوضع الراهن، لاسيما تأمين أماكن للتدريب، لكن، العرض نال إعجاب الجميع، وهو يتحدث عن شخصٍ كبير في العمر، ينتظر كنزاً ما من قراصنة، مع العلم أنه كان قرصاناً في شبابه، ولكن نكتشف بأنه لا وجود لهذا الكنز الذي كان يتم تعليم مكانه بإشارة صليب على الخريطة، وهنا يحدث الصراع الذي يعكس مضمون المسرحية، اذ يفتح المجال للجمهور بالتفكير والتساؤل في قضايا اجتماعية إنسانية هامة.
يتحدث العرض أيضاً، عن عقوق الوالدين، فقد خُطط لوضع الأب القرصان في مشفى المجانين، من قبل ابنه الذي لا يؤمن بما يفكر به والده، ومع الوقت يتحوّل الولد إلى شخصٍ مجنون كوالده، وأيضاً ينتظر الكنز، أما الابنة فهي الشخصية العاقلة الوحيدة في المسرحية، حيث يقع العبء كلّه على عاتقها، فتحاول فكّ نزاعات الابن والأب، وتداري جنون الأب، وتسعى لمنع الأخ من الجنون، لكنها تعجز وتنتهي المسرحية بموت الأب واكتشاف مكان الكنز.
جميع العروض التي تقدم في المعهد تعتمد على الحس الداخلي، والشكل لا يعني شيئاً بالنسبة للأداء وللعالم الداخلي، مضمون فن التمثيل، هو العوالم الداخلية المتخيلة وتصديقها من قبل الممثل، ثم التعامل معها، وبالتالي ينعكس هذا على الجمهور ويجعله يدخل بالإيهام.
لقد اقترب العرض من القضايا النفسية، والنوازع الإنسانية وتفاعلها مع المحيط، ورؤيتها ومواقفها، وكيف أن على الإنسان أن يأخذ بالأبعاد، مبتعداً عن الأنانية القاتلة، فالهدف هو طرح الأفكار وإثارة التساؤﻻت، وحثّ التفكير والحوار في القضايا الإنسانية الهامة، دون أن ننسى آليات ترجمة هذه القضايا وفق تقنيات فنية ومفردات، وحده المسرح من يتقنها.
التاريخ: الثلاثاء30-3-2021
رقم العدد :1039