الثورة أون لاين – ترجمة سراب الأسمر:
يقول بوتيستا البيردي تحت عنوان جريمة الحرب: “ستمسي الحروب نادرة لأن كل من يروج لها ويحركها سيشعر بمسؤولية نتائجها”.
أدى اعتراف ادوارد سنودن – المتعاقد سابقاً مع ال CIA- المسؤول عن تسريب معلومات برنامج Prism أو التجسس على الاتصالات المكلفة بها وكالة الأمن الوطني (NSA) لصحيفتي نيويورك تايمز وغارديان لتأهب وكالة الاستخبارات المركزية أمام الخطر الناجم عن اكتشاف الأسرار التي لا توصف والموجودة في الطابق السري للمؤسسة.
مع ذلك منح الرئيس الروسي لسنودن حق اللجوء المؤقت إلى روسيا، على الرغم من إدراكه لآلية ردة الفعل النموذجية لسيناريوهات الحرب الباردة التي عانت منها العلاقات الروسية الأميركية.
عقيدة ترومان وتهديدات بايدن..
بالعودة إلى مذهب الاحتواء أو عقيدة ترومان، نلاحظ أن تصريحات جو بايدن الأخيرة والقاسية عن روسيا بقوله “بوتين قاتل” والتهديد المستتر لعقوبات جديدة قد تساهم في تصعيد التوترات مع روسيا، وبعد ذلك قد تستخدم الولايات المتحدة طلبات بولندا كحجة لاستكمال المرحلة الخامسة من نشر الدرع المضاد للصواريخ في أوروبا، مما يعني العودة إلى الحرب الباردة ومبدأ عقيدة ترومان التي عرض جورج كينان أسسها في مقالته “مصادر السلوك السوفييتي” والتي نشرت في مجلة فورين أفيرز (الشؤون الخارجية) عام ١٩٤٧ حيث لخّص أفكارها في اقتباسه “السلطة السوفييتية غير حساسة لمنطق العقل لكنها حساسة لمنطق القوة”.
وفي ذلك الوقت أظهر وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند الرغبة البريطانية والأميركية لتوحيد جهودهما ضد روسيا وصرح أن “بريطانيا ترحب بالصواريخ النووية الأميركية في ظل تصاعد التوترات مع روسيا” وأن الحكومة ستدرس حالة صواريخ كروز المزمع نشرها في بريطانيا، فكان هذا الأمر كنوع من الرغبة للعودة إلى سباق التسلح كتلك التي كانت أيام الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي السابق (إطلاق مشروع الشراكة الأميركية الأوروبية لتزويد بريطانيا بصواربخ بولاريس بدءاً من تموز ١٩٦٢) والتي كان لها نتائج ثانوية كانقسام وسط حلف الناتو.
وهكذا قد نشهد شقاقاً جديداً ونهاية لحلف الناتو الحالي حيث يظهر هيكل عسكري جديد يندمج بمجموعة من الدول (الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، دول البلطيق، بولندا، المجر، بلغاريا، سلوفانيا، التشيك، رومانيا، اسبانيا، ايطاليا، البرتغال، مالطا، قبرص، اليونان وتركيا) بهدف تشكيل كتلة احتواء أمام ما تراه أميركا بأنها “الأفكار التوسعية لفلاديمير بوتين”.
من جهة أخرى سنشهد تقوية لمحور برلين باريس، تقوده فرنسا وألمانيا والذي سينعكس في وكالة الدفاع الأوروبية وسيتسع نحو دول نفوذها الأساسية (هولندا، الدانمارك، النرويج، بلجيكا، لوكسمبورغ والنمسا)، وكثمرة لإعادة تأكيد السيادات الوطنية الفرنسية والألمانية كاستراتيجية دفاعية أمام مواربة شريكتها القديمة الولايات المتحدة.
سباق جديد للتسلح..
كما شرح زبينييف بريجينسكي في مجلة National Interest عام ٢٠٠٠ “سيكون الأوروبيون معرضين مباشرة للخطر بحال أعادت الإمبريالية السوفيتية تنشيط السياسة الخارجية الروسية” والتي من شأنها رسم خطة لتوسيع حلف الناتو إلى حدود سنوات ١٩٩٠ والعمل بنظام الدفاع الأوروبي الجديد المضاد للصواريخ، والهدف الميكافيلي المتمثل بالقيام بأول هجوم مفاجئ للولايات المتحدة الذي قد يدمر النظام النووي الروسي على أراضيها وبالتالي الرد الروسي عبر صواريخها المتمركزة في بولندا.
بعد الخلافات التي نشأت بين روسيا والولايات المتحدة حول إعلان استقلال كوسوفو و أوسيتيا الجنوبية، استبدل باراك أوباما مشروع مضادات الصواريخ “شيلد” بنظام مضادات صواريخ دفاعية متحرك وبغرض ضرورة الشراكة مع روسيا.
مع ذلك، في أيلول ٢٠٠٩ وافق أوباما -تحت ضغط السلطة الأميركية- على تنفيذ نظام الدفاع الصاروخي الأوروبي الجديد وهو في الواقع عبارة عن درع عالمي مضاد للصواريخ، وهذه الآلية تكمن في أن الصواريخ الاعتراضية المثبتة على منصات متحركة يمكنها إصابة أهداف موجودة في مساحة مشتركة (اعتماداً على البيانات المرسلة من جميع الرادارات وأنظمة الاستطلاع الكهروضوئية).
في البداية وافقت روسيا وحلف الناتو للتعاون مع الدرع المضاد للصواريخ لأوروبا في تشرين الثاني ٢٠١٠ خلال القمة الثنائية في لشبونة، لأنه بدا من المفيد لموسكو عرض حلف الناتو بتقديم ضمانات حقيقية بعدم استهداف هذا النظام الصاروخي لروسيا وعدم وجود نص قضائي ملزم.
لكن التصريحات الهجومية بقول أن “بوتين قاتل” ما هي إلا تهديدات تخفي وراءها عقوبات جديدة ضد روسيا، وقد تساهم في تصعيد التوتر بين حلف الناتو وروسيا، عدا ذلك فإن الولايات المتحدة تستخدم طلب بولندا كعذر لها لبسط وإنهاء المرحلة الخامسة من نشر الدرع المضاد للصواريخ في أوروبا، الأمر الذي من شأنه أن يثير رداً روسياً مماثلاً بتثبيت صواريخ بالستية جديدة عابرة للقارات في كالينينغراد.