الثورة أون لاين- خلود حكمت شحادة:
انطلاقاً من أهمية التعليم المهني والسعي لزجه في سوق العمل، وتشجيعاً للطلاب على دراسته بعد أن ارتبط سابقاً بطلاب المرحلة الثانوية وخاصة ممن لم يحصلوا على درجة تؤهلهم لدخول التعليم العام بعد نجاحهم في شهادة التعليم الأساسي، وطالما ارتبط تصنيف هذا النوع من الدراسة بدرجة أقل من غيره ليعتبر دارسه ذا مستوى دراسي لابأس به، وليس كغيره ممن درسوا في التعليم العام، وبعد أن أصبحت التربية المهنية في كثير من الدول ضرورة اجتماعية وتربوية لا يمكن الاستغناء عنها وذلك لأهميتها في مساعدة الأفراد على اتخاذ القرارات المناسبة فيما يخص مسارهم المهني من خلال ترشيد اختياراتهم ومشاريعهم المستقبلية، إضافة لمتطلبات الحياة اليوم، ما أثار اهتمام الكثير من العاملين في القطّاع التربوي لهذه الأسباب وغيرها اقتضى إدراج التربية المهنية في صفوف مبكرة حيث تعتبر عمليّة متدرّجة يتعلم من خلالها المتعلمون المهارات والقدرات الخاصة بمجال المهنة التي يرغبون بمزاولتها ليصبحوا على دراية بالمعلومات الكافية، عن بيئة هذه المهنة وطبيعة العمل فيها وصولاً إلى التطبيق العملي لها الذي يسمح لهم بالتعرف على العمل ومسارات الالتحاق به لتحقيق أهدافهم بما ينعكس بصورة إيجابية على المجتمع.
* الحاجة لهذا النوع من التعليم
إن الربط بين التربية المهنية والثقافة النظرية أضحت ضرورة نمائية، فالعمل على تكييف كل مرحلة من مراحل التعليم مع المستوى العقلي للطفل يجب أن يترتب عليه مسألة الإحاطة بالاهتمامات العملية المهاراتية والمادية في صلب مراحل الدراسة الأولى الأمر الذي يولد لدى الطفل الرغبة في الأداء العملي الذي يفضي إلى أدائه عملاً منتجاً في المستقبل وتحقيق ذاته وقيمته كفرد فعال في مجتمعه.
تعتبر المؤسسة التعليمية بمثابة الطرف المفوّض من المجتمع ليبذل ما أمكن من المجهود لتأمين حاجات الأفراد الذاتية والمهنية، وتكمن أهمية التربية المهنية في قدرتها على إكساب المتعلم مختلف السلوكيات المهنية بمشاركة كل من الأسرة والمدرسة والمجتمع وصولاً إلى بلورة هذا المفهوم وتحديد أبعاده في إكساب الفرد المهارات التكيفية، وترشيد الاختيارات والمشاريع المهنية المستقبلية للتقليل من المعاناة في العمل من خلال طريقة تربية الاختيارات المهنية.
ومن مهام التربية المهنية أنها تزود المتعلمين بالقدر الكافي من المعلومات عن سوق العمل والمهن المختلفة فيه، وتزيد وعيهم حول حجم العرض والطلب في كل من هذه المهن ما يحفزهم للإقبال على التعليم الذي يضفي إلى المهن المطلوبة وتؤهلهم للعمل فيها بنجاح.
* مقرر جديد يُضاف إلى المناهج
للوقوف على موضوع إدراج التربية المهنية كمادة ضمن الخطة الدراسية للأعوام القادمة في مرحلة التعليم الأساسي التقينا المنسقة التربوية للمرحلة الابتدائية في المركز الوطني لتطوير المناهج التربوية زمزم البيطار التي تحدثت لنا عن أهمية التربية المهنية، وإلى أين وصل العمل في خطة الوزارة لإدراج التربية المهنية من الصف الرابع قائلة:
مع تطور العرض والطلب في سوق العمل ونظراً لأهميّة التربية المهنية ودورها الفاعل في بناء الإنسان المواطن القادر على تطوير إمكاناته وبناء بلده نسعى لإدراج مادة التربية المهنية ضمن الخطة الدرسية للمتعلمين بداية من الصف الرابع وفق مصفوفة متسلسلة ومدروسة تربوياً وعلمياً واجتماعياً بما يحقق الأهداف التي حددها الإطار العام للمناهج التربوية المطورة في الجمهورية العربية السورية وبطريقة تناسب الكفايات الأساسية التي تتصدّرها مهارات الحياة والعمل والتواصل والاستدامة والابتكار وفق مبادئ الشمولية والتكامل وضمان الجودة والمرونة والانفتاح ومع التطور المتسارع في الحياة وسوق العمل لابد من مواكبة الرّكب العالمي تربوياً لتطوير الخطة الدرسية لمرحلة لتعليم الأساسي بما يضمن تنشئة جيل يمتلك توجهات إيجابية للتعليم المهني، وبناء ثقافة العمل الفعال بناءً متدرّجاً متسلسلاً.
وبينت أنّ من يراقب سوق العمل يلاحظ أن التأهيل المهني في المرحلة الثانوية لم يعد كافياً وفق متطلّبات الواقع وبالتالي لابد من بدء العمل على التأهيل المهني منذ مرحلة التعليم الأساسي لتعريف المتعلم بأساسيات التخصصات المهنية (صناعي – زراعي –تجاري – سياحي) ببساطة وسلاسة وذلك لخلق اتجاه مهني وفق ميول المتعلّم يتطوّر ويتعمّق مع وصوله للمرحلة الثانوية ويصل لمرحلة الابداع والابتكار والبحث العلمي الأكاديمي في المرحلة التي تليها. انطلاقاً من ذلك قمنا بتجهيز المستلزمات التربوية من مصفوفة معايير ومنهجية عرض وتقويم ملائمة، وكتب تعليمية مهاراتيه، وتقديم المقترحات والدراسة الخاصة باستصدار المرسوم، تاركين لأصحاب القرار كلمتهم من حيث اتخاذ القرار ومتابعة إجراءاته الإدارية اللازمة مع التذكير بأهمية الاستفادة من تجربة تطوير مناهج التربية الزراعية والتدريب عليها قبل ثلاث سنوات لما حققته من نهضة في قطاع التعليم الريفي في المرحلة الابتدائية وما قدّمته من مكاسب للمدارس الابتدائية على المستوى التعليمي والمجتمعي والتي كان من توصياتها تعميم التجربة على جميع مدارس القطر العربي السوري.
* إيجابيات تتفوق على التحديات
وعن نقاط الضعف والمشكلات المتوقع مواجهتها سواء عند الطالب أم المدرس أجابت البيطار بأن النقاط الإيجابية لمناهج التربية المهنية كثيرة ومتنوعة على الأصعدة كافة (اجتماعياً، اقتصادياً، سياسياً، ثقافياً) وأن ما تحققه هذه المناهج من رؤى تربوية حقيقية صادقة هام جداً ولكن لنكن واقعيين لابد من التعريج على بعض النقاط التي أفضّل أن أطلق عليها تحديات لابد من الاهتمام بتجاوزها في سبيل نجاح مساعينا حيث يكتسب التلميذ الكثير من التصورات المهنية بطريقة تدريجية من خلال المعلومات التي يكتسبها نتيجة احتكاكه وتفاعله مع المحيط الخارجي من “أفراد العائلة، الأصدقاء، الأسرة المدرسية” ولعل ضعف وعي المحيط بأهمية وفعالية هذا النوع من التعليم في رفع كفاءة المتعلّم علمياً ومهنياً يجعل البعض غير متقبّلين كلّياً لفكرة التجديد فيلجؤون لمقاومة التغيير بطرق تُضعف عزيمة المتعلم والمعلّم تجاه التطوير وتُفقدهم الدافعية اللازمة لنجاح خططه، وهذا يستلزم تحضيراً وتدريباً وتسويقاً ممنهجاً يسبق إدراج هذه المادة ضمن الخطة الدراسية.
كما لابد من الأخذ بعين الاعتبار أهمية توفير المستلزمات التربوية لتنفيذ هذه المناهج بطريقة تربوية احترافية تحقق الغاية منها وهذا يستلزم قوانين مُلزمة ومدروسة.
* التعلّم بالأنشطة
وعما إذا كانت هناك أعباء مالية إضافية ستترتب على الأهل من جراء إدخال مادة قد تحتاج لمواد أولية وإيضاحية ربما يُطلب من الطالب إحضارها أجابت البيطار أن هذه المناهج بُنيت وفق منهجية أكاديمية تحقق التّدرج والتّنامي المناسب لخصائص المتعلّم السيكولوجية ونموه المعرفي بالانتقال من التأمل للتجريب للتعميم والمناقشة من خلال أنشطة مهاراتية مدروسة قابلة للتنفيذ ضمن القاعة الصفية دون تكاليف إضافية، وبما يحقق الاستدامة والتواصل وفق أساليب تربوية محببة عن طريق تنمية الاتجاهات الإيجابية لدى التلاميذ نحو تقدير واحترام العمل والعمال، وتنفيذ تجارب علمية أدواتها بسيطة ومتوفرة في البيئة المحيطة، إضافة إلى تنفيذ مهام تعنى بكتابة قصة أو يوميات عن مهنة معينة للأب أو الأخ أو الأم أو تعبير إنشائي عن زيارة قاموا بها لإحدى المؤسسات أو المصانع المهنية، وأيضاً توفير صور أو قصص أو كتيبات أو أفلام أو مجلات مهنية مصورة للبيئة المحلية للمتعلّمين.
وستكون هناك مسرحيات أو تمثيليات عن المهن والأعمال التي يقوم بها العمال في ميدان عملهم يقوم المتعلمون بتنفيذها، والأهم أنه ستتم دعوة الأولياء وغيرهم من المهنيين إلى الأقسام للتحدث مع المتعلمين عن وظائفهم في مختلف المؤسسات وعن حاجاتهم وحاجات المجتمع لهذه المهن وهذه الأنشطة سيتم توزيعها لتكون ملائمة للمرحلة العمرية المستهدفة.
* رهان المستقبل
التحدي الأكبر والنتائج لخصتها البيطار من كون هذه المناهج تستمد قوتها ورهانها على المستقبل الطلابي وفائدة المجتمع من تحقيقها للأهداف والرؤى التربوية المرصودة وقدرتها على تعزيز النمو الاقتصادي الذي يتيح زيادة الإنتاج نتيجة الاستفادة من الأطر البشرية وتأهيلها تأهيلاً ملائماً، ورفد القطاعات المهنية المتنوعة “صناعية، تجارية، سياحية، زراعية ” بأيدٍ عاملة أكاديمية واعية ومنتجة تساعد المؤسسات على تنفيذ خيارات مهنية صائبة، وتوفير فرص عمل للأفراد من خلال تأهيلهم لسوق العمل، وإضفاء معنى إيجابياً على مختلف المعارف من خلال ربط النظري بالتطبيق، والدراسة بالحياة، والمدرسة بالمجتمع الموجودة فيه، وتنمية الاتجاهات الإيجابية لدى التلاميذ لاحترام العمل والعمال، وتبيان القيمة التي يوليه المجتمع إليهما.
ختاماً نأمل من خلال ما قدّمناه أن نكون قد بيّنا أهمية إدراج مناهج التربية المهنية ضمن الخطة الدرسية لمرحلة التعليم الأساسي، وكيفية تقديمها لطلابنا من أجل التقليل من مخاوفهم وأسرهم من مقرر جديد يثقل كاهلهم.