الثورة أون لاين – عبد الحميد غانم:
في خضم الغزو الثقافي الذي تمارسه “الليبرالية الجديدة” في مجتمعاتنا، تبرز الكثير من المفاهيم المغلوطة التي يحاول أصحابها تسويقها وإدخالها في عقول أجيالنا، كي يسهل عليهم تحقيق أهدافهم وتمرير أجنداتهم.
يدعو أصحاب “الليبرالية الجديدة” إلى القطيعة النهائية مع التاريخ، وكأن الماضي من القاذورات التي يجب التخلص منها دون النظر إلى النقاط المضيئة به، وأن الحاضر يدفعنا إلى إعادة النظر في القيم والعادات والشرائع، بما فيها الأخلاق والقيم الاجتماعية التي تربت عليها الأجيال، لاسيما القائمة على التقديس وأبرزها الدين، الذي يعد عاملاً مؤثراً في مجتمعاتنا، حيث يشكل في حياة الناس جزءاً أساسياً من الثقافة السائدة الموروثة من الماضي، وهو أكثر أشكال الوعي ثباتاً، فالدين مؤثر جداً في مجتمعاتنا، ولا يمكن تجاهل دوره في توجيه وتحريك الوعي وحضه على التمسك بالأخلاق والقيم المجتمعية.
ومن هنا، كان مصطلح الإرهاب الديني أو ما يسمى “الاسلاموفوبيا” صنيعة سياسات “الليبرالية الجديدة” بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 لتبرير الحروب التي شنت في منطقتنا، بحجة إرهاب تنظيم “القاعدة” في أفغانستان الذي كان للولايات المتحدة دور خبيث في نشأته وتوظيفه في أجنداتها، وصولاً إلى تنظيم”داعش” الإرهابي في منطقتنا، الذي كان ذريعة الولايات المتحدة ومروجي ليبراليتها الجديدة للتدخل في شؤون سورية ونهب ثرواتها.
وقد خلطت السياسات “الليبرالية الجديدة” في إطار تضليلها الإعلامي المتعمد وتحت غطاء ما يسمى مكافحة الإرهاب، بين الإرهاب الديني المدان عالمياً من قبل الجميع، وبين حق الشعوب في مقاومة المشروعين الأميركي والصهيوني، ومن ثم الترويج تحت أكاذيب لا علاقة لها بالإنسانية أو السلام للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي المحتل والمغتصب من أجل دمجه في المنطقة كقوة اقتصادية وتقنية وتكنولوجية.
وقد بات واضحاً هذا الخلط المتعمد لتشويه الحقائق بين الإرهاب الذي يأتي بأوجه متعددة لإيذاء البشر وبين الوسائل المشروعة للشعوب من أجل صد العدوان والاحتلال وتحرير أرضها، وذلك من قبل أصحاب الليبرالية الجديدة، بحيث بات مبدأ التسامح والاعتراف بالآخر ينحصر فقط عندهم بالاعتراف بالكيان الصهيوني والتطبيع معه.
كما بات واضحاً سعي دعاة “الليبرالية الجديدة” من أجل الاستغناء عن الماضي والقيم المعرفية للهوية الوطنية التي تربى عليها الجيل الحاضر، وإبراز قيم جديدة وربما غريبة عن مجتمعاتنا لتربية الجيل الجديد عليها بما يتلاءم مع أفكار الغرب الليبرالية دون نقاش أو تفكير علمي.
فمن أفكارهم الخبيثة أنه لا يجب الاستعانة بالتاريخ للعبور إلى المستقبل، بل يجب الاستعانة بالخارج وبما يقدمه الغرب من أفكار في هذا الاتجاه وقبولها على علاتها دون تفكير بخطورتها وتأثيرها، حتى ولو كانت لا تتناسب مع واقع المجتمعات المستهدفة، وهنا مكمن الخطر على هويتها وثقافتها وحضارتها، فالتسويق لأفكار تدعو إلى التخلص من الأنظمة السائدة ثقافياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وإقامة أنظمة مستمدة ومستوحاة من فكر الأنظمة الرأسمالية الغربية بذريعة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان..الخ، دون مراعاة لخصوصية مجتمعاتنا وطريقة تفكيرها وعقائدها وقيمها الموروثة هو من شرع الساحة لكل هذه الفوضى والخراب والضياع الذي دخلت به منطقتنا على مدى أكثر من عشر سنوات من عمر ما يسمى “الربيع العربي”.
لقد قدمت “الليبرالية الجديدة” مفاهيم مختلفة غير مألوفة مغلوطة لا تتناسب مع مسار التفكير المنطقي العلمي السليم، فكل شعاراتها المطروحة والتي يتم الترويج لها ينطبق عليها المثل العربي المشهور “حق يراد به باطل” فالغاية منها هو الانسلاخ عن الأسرة وعن الوطن ورفض العقيدة والتراث والهوية، وتقليد ما يجري في المجتمعات الغربية والليبرالية الجديدة على أنه حداثة وتطور، على مبدأ دس السم في الدسم.