من جديد تطل علينا منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بتقرير يعتمد (الشك) في توجيه الاتهام للدولة السورية باستخدام غاز الكلورين في حربها ضد الإرهاب، فالمنظمة يبدو أن لديها أسباباً (معقولة) للاعتقاد بأن القوات السورية أسقطت قنبلة كلورين على مدينة سراقب عام 2018 دون أن يكون لديها أي شك بأن الرواية قد تكون من تلفيق واشنطن عبر إحدى أدواتها جماعة الخوذ البيضاء الإرهابية، التي اشتهرت بتمثيل مشاهد الكيماوي في أكثر من مكان.
المنظمة تعترف أنها لا تملك أدلة ولكن لديها (أسباب معقولة) وهذه الأسباب (السياسية) على ما يبدو كانت كافية لها كي تصدر تقريراً يتهم الجيش العربي السوري، ولم يكن لديها أي أسباب تدعوها للتشكيك في الرواية من أساسها خصوصاً أن الكثير من الروايات ثبت زيفها وتلفيقها من قبل الجماعات الإرهابية وأذرعها الإعلامية وخصوصاً الخوذ البيضاء.
تقارير المنظمة التي تتزامن دائماً مع حملة ضغوط غربية على سورية تكشف الأهداف المخفية وراء عملها وتفضح (الأسباب المعقولة) التي تستخدمها المنظمة كقاعدة لإصدار تقارير ضد سورية تفتقر إلى الأدلة والبراهين التي يفترض أن تستند إليها أي تقارير دولية مهنية من منظمة تمتلك القدرات العلمية والتقنية لتأكيد أو نفي حادثة من هذا النوع.
يوفر التقرير كما التقارير السابقة فرصة جديدة للدول الغربية لزيادة الضغوط على سورية وحلفائها من أجل التأثير على مسار الأحداث فيها وعرقلة جهود الدولة في دحر الإرهاب بشكل نهائي واستعادة سيطرتها على كامل الجغرافيا، بالتزامن مع الضغوط الاقتصادية التي تفرضها واشنطن مع عدد من الدول الغربية لمنع سورية من استعادة قوتها الاقتصادية وعرقلة جهودها في تأمين احتياجات مواطنيها الأساسية.
لا يختلف اتهام المنظمة للجيش العربي السوري بإلقاء قنبلة كلورين على حي الطبل في سراقب شباط 2018 عن اتهاماتها له في حادثة كيماوي دوما المزعومة التي ادعت فيها أن الجيش قام بإلقاء اسطوانات الكلور على المكان، في حين بينت الحقائق العلمية لتموضع الأسطوانتين أنهما وضعتا باليد ولم تلقيا من الجو ورغم ذلك لاتزال المنظمة توجه الاتهام في تقاريرها حول تلك الحادثة ضد الجيش العربي السوري.
غريب أن المنظمة لم تتوصل لأي (أسباب منطقية) في جميع الهجمات الكيماوية التي أبلغت عنها الدولة السورية، بل وتمنعت في عدة مناسبات عن القيام بالتحقيق فيها، فقد تكون الأسباب السياسية التي تسير عليها المنظمة أقوى من أي أسباب معقولة تقدمها الحكومة السورية.
الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تبحث اليوم عن أدوات ضغط جديدة بعد أن فقدت أدواتها الإرهابية في الميدان، فبعد تحرير مساحات واسعة من الأرض السورية من سيطرة الإرهابيين عملاء البيت الأبيض، حرّكت واشنطن سيف الحصار والحرب الاقتصادية من جهة وعملت على إحياء خلايا تنظيم داعش الإرهابي الذي يتحصن بالعباءة الأميركية في التنف وعمدت إلى تحريك ملفات الكيماوي وحقوق الإنسان في المنظمات الدولية.
لاشك أن صدور تقرير فريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية في هذه الفترة لا يعدو عن كونه منصة جديدة للضغط ومحاولة خنق السوريين، لكن سنوات الحرب العشر أثبتت قدرة سورية وشعبها وجيشها على كسر هذه المحاولات وتجاوزها رغم قساوتها، وهم اليوم قادرون بالتعاون مع حلفائهم في موسكو وطهران على الانتصار مجدداً .. فإرادة الشعب لا تكسرها قوة في الأرض.
إضاءات – عبد الرحيم أحمد