الجلاء مهد لولادة فنوننا الحديثة

الثورة أون لاين – أديب مخزوم:

الفن التشكيلي السوري ساهم الى حد بعيد في التعبير عن معاني الجلاء السامية ،وذلك من خلال إقامة العديد من النصب التذكارية ،وتجسيد اللوحات الجدارية ،التي ابرزت رموز النضال الوطني، الذي توج باستقلال سورية في السابع عشر من نيسان عام 1946.
وإذا كان فنانونا الرواد الأوائل قد سارعوا للتعبير عن تحولات المرحلة بطريقة إعلانية وتسجيلية ورمزية ،فإن ذلك لم يمنعهم في مرحلة لاحقة ، من التعبير عن معاني الاستقلال بلغة تشكيلية خالصة وصلت حدود التعبيرية والتجريدية أحياناً.‏
هكذا نجد أن اللغة التشكيلية الخالصة التي ظهرت في مرآة الجلاء ، قد تأخرت قليلاً في الظهور، بسبب عمقها وتشابكها وبعدها عن إطار الذوق الفني العام …‏ وثمة مسافة شاسعة جداً بين رؤية اللون والتكوين والخط والتقنية والأسلوب من وجهة نظر تشكيلية بحتة، وبين رؤية الرمز أو الدلالة التي تبرزها اللوحة المرتبطة بتحولات فنون مرحلة ما بعد الاستقلال بمفهومها ودلالاتها الادبية المباشرة.‏

-015M.jpg
وهذا يعني أن العديد من الفنانين السوريين عبروا عن معاني الجلاء بطريقة أكثر عمقاً وتوجهاً نحو الرمز واللغة التشكيلية العفوية..‏والذين يعرفون جوانب المسار التشكيلي والتقني لهؤلاء الفنانين ، يدركون أنهم لم يقدموا أي تنازلات على الصعيد الفني، في تناولهم للمواضيع الملتزمة بقضية الجماهير الكبرى، حيث تفاعلوا مع الأحداث بعفوية لونية مترسخة في الإحساس، لذلك ظهرت رموز الجلاء والتحدي والأمل في فسحات اللون القادم من تأملات معطيات الفنون الحديثة، لأن الفنان هنا كان يعيشها كحالة نابعة من تأثيرات تجاربه الفنية والثقافية.‏ وهكذا مهد الجلاء لولادة وتكريس كل الاتجاهات الفنية السورية الحديثة، التي توضحت في نهاية الأربعينات والخمسينات والستينات.
وطرحت الأعمال المعبرة عن فرحة الجلاء، على الصعيد الفني، قدرات فنية عالية ، لاسيما وأن سورية متقدمة ومتفوقة في الفن التشكيلي، ولدينا أسماء أثبتت العالمية في الرسم والنحت الواقعي ، ولا يجوز الحديث في هذا المجال، دون الاشارة الى جدارية الفنان الراحل ممتاز البحرة، المعروضة في متحف الجندي المجهول في قاسيون ، والتي وثق من خلالها برؤية بانورامية واقعية لأهم أحداث معركة ميسلون .
وقد تكون بانوراما الجلاء، التي انجزت داخل القبة التي تعلو ضريح المجاهد سلطان باشا الأطرش في بلدته القريا، بالقرب من مدينة السويداء، أكبر لوحة فسيفسائية بانورامية، وتبلغ مساحتها 130 متراً مربعاً، ضمن صرح دائري ، وبارتفاع 3.75 أمتار، وتنقسم اللوحة البانورامية إلى 16 ضلعاً ،وهي تعطي الزائر صورة بانورامية، عن أهم الأحداث التي مرت بها سورية ، خلال نضالها الوطني من أجل تحقيق الاستقلال، مع اشارة الى أسماء أبرز الشهداء، الذين سقطوا دفاعاً عن الوطن في كل أنحاء سورية . حيث نشاهد أهم رموز الثورة السورية الكبرى.. والمتأمل لهذه البانوراما سرعان ما تلفت نظره عبارة: الدين لله والوطن للجميع، والتي سجلت في أحد أقسامها .
ولقد انجزت بمشاركة ثلاثة فنانين بارزين وهم: إدوار شهدا ونبيل السمان وغسان النعنع. والعمل يتكون من عدة لوحات تكمل بعضها البعض، ويبرز الحصان العربي ،وما يرمز في تكاوينه، بحيوية حركته المتوثبة وانتفاضته، من تعابير فروسية واصالة وعنفوان وبطولات عربية، وهي منفذة بالقطع الحجرية الملونة ، على طريقة اللوحات الفسيفسائية القديمة، الأكثر قدرة على تحمل ومقاومة تقلبات الطقس والمناخ وحالات الرطوبة والجفاف.

-016M.jpg
ويمكن اعتبار الفنان الراحل عاصم زكريا أحد أبرز الفنانين الذين جسدوا حيوية المعارك النضالية ضد الاستعمار، ففي جداريته (ميسلون) يؤكد أنه فنان الشكل الواقعي المشحون ببعض اللمسات العفوية ، التي تحرك لمساته اللونية الهادئة ، وتعمل على إظهار عصب الظل والنور، وتستعيد حيوية التأليف المتوازن والمدروس ، في إيقاعات الاحصنة وحركة الفرسان ، حيث سجل وبصورة بانورامية ملاحم البطولة بكل أبعادها ورموزها الوطنية.
وتظهر ملامح السمو والبطولة في تمثال الشهيد حسن الخراط الذي أنجزه النحات الراحل عدنان الرفاعي ،وظل حتى اللحظات الأخيرة يسعى لتحقيق حلمه بتحويله إلى نصب ضخم في وسط الساحة، التي استشهد فيها المجاهد الكبير. وتعود فكرة إقامة نصب المجاهد الشهيد حسن الخراط إلى العام 1990 حين أعلنت محافظة دمشق عن مسابقة فاز على أثرها النحات الراحل عدنان الرفاعي بالجائزة الأولى. مع الإشارة إلى أن تحقيق درجات الشبه الحقيقية في قسمات وجه الشهيد حسن الخراط تطلبت من فناننا الراحل المزيد من التنقيب والبحث المتواصل، حيث استطاع الحصول على بعض الصور النادرة له، والتي ساعدته في إظهار صفات وخصائص وروح شخصيته التي مثلها أو جسدها بعد تقصي أخباره والإحاطة بجوانب شخصيته.
وجسد الفنان أيمن السليم عدة تماثيل لبعض أشهر رموز النضال الوطني ضد الاستعمار أمثال : الشيخ صالح العلي، و يوسف العظمة وأحمد مريود . ولقد ركز لإظهار أبعاد الشكل الفراغي في المنحوتة، حيث التناسب والإيحاء والانفلات نحو الحلم الباعث على التأمل في حديقة التشكيل الفني، الآتي من تقنيات عصر النهضة وصولاً إلى الكلاسيكية الجديدة وواقعية القرن التاسع عشر.

-017M.jpg

هكذا أظهر قدرة لافتة في صياغة التفاصيل الصغيرة والدقيقة التي أحبها والتي شكلت عودة إلى تقنيات الرسم الكلاسيكي والواقعي ، فالنحت والرسم الذي يمارسه أيمن السليم ، يرتكز على تقنية الصياغة المركزة لجهة التعمق بتجسيد تشكيلات رصينة وعقلانية نراها ضمن تمثيلات محددة، بكل التحديدات والتفاصيل الصغيرة والدقيقة، ولقد أقنعنا أن الدقة في معاينة المظهر الخارجي، هي من ضمن السبل الهادفة إلى كشف التعابير الإنسانية في قسمات الوجه، وهو أيضاً حين يجسد بعض القادة والشخصيات التاريخية الوطنية، فإنه يزيد من حرارة إيمان المشاهد بصلابة الإنسان العربي، وبقدرته على دحر العدوان، وهذا يزيد من عاطفة التعلق بالوطن والإيمان بالبطل المنتظر.
ولقد أنجز النحات معروف شقير، عدة أعمال نصبية مرتبطة برموز الوطن والاستقلال ، وفي مقدمتها المجاهد سلطان باشا الأطرش ، وكان في اعماله يركز لإيجاد مناخات تعبيرية، تكشف عن مدى طواعية الكتلة البازلتية الضخمة للرؤى التشكيلية الوطنية.

آخر الأخبار
بالتعاون  مع "  NRC".. "تربية" حلب تنهي تأهيل مدرسة سليمان الخاطر مزايا متعددة لاتفاقية التعاون بين المركز القطري للصحافة ونادي الإعلاميين السوريين تعزيز التعاون السوري – الياباني في مجالات الإنذار المبكر وإدارة الكوارث   تطبيق السعر المعلن  تطبيقه يتطلب مشاركة التجار على مدى يومين ...دورة "مهارات النشر العالمي" في جامعة اللاذقية مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن لرفع العقوبات عن الرئيس الشرع في “60 دقيقة.. الشرع يقدّم نموذج القيادة السورية: صراحة في المضمون وحنكة في الرد إعادة الممتلكات المصادرة  لأصحابها تعيد الثقة بين الحكومة والمواطنين افتتاح مشروع لرعاية أطفال التوحد ومتلازمة داون بمعرة مصرين "تموين حلب" تبحث ملفات خدمية مشتركة مع "آفاد" التركية من دمشق إلى أنقرة... طريق جديد للتعاون مشاركة سورية في حدث تكنولوجي عالمي بعد غياب لسنوات إعلام بريطاني: خطة ترامب هشة وكل شيء اختفى في غزة جائزة نوبل للسلام.. من السلام إلى الهيمنة السياسية هل يستطيع ترامب إحياء نظام مراقبة الأسلحة الاستراتيجية؟ منطقة تجارية حرة.. مباحثات لتعزيز التعاون التجاري بين سوريا وتركيا التنسيق السوري التركي.. ضرورة استراتيجية لمواجهة مشاريع التقسيم الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين في إطار تنفيذ اتفاق غزة بين دمشق وبرلين.. ملف ترحيل اللاجئين يعود إلى الواجهة الخارجية تفعّل خطتها لتطوير المكاتب القنصلية وتحسين الخدمة للمواطنين