الثورة أون لاين- حسين صقر:
مع أن المسؤولية الاجتماعية تتضمن معنى واحداً، هو الشعور بتأدية الواجبات قبل المطالبة بالحقوق، إلا أن وجوهها متعددة وطرق العمل فيها كثيرة، وذلك بهدف النهوض بالمجتمع، ولاسيما إذا كان أفراده يعانون مشكلات وآلام نتيجة الحرب والدمار الذي تسبب به الإرهاب الدولي المنظم، حيث المسؤولية الاجتماعية والجماعية تعد ركناً أساسياً ومهماً في عملية البناء، فبدونها تتحول الحياة إلى فوضى، ويكثر فيها الانتهازيون، ويأكل القوي الضعيف وينعدم التعاون، وتغلب الأنانية والفردية، ويبقى الوطن الجريح غارقاً في دمائه مكلوماً.
وسورية التي عانت الخراب والدمار نتيجة الحرب العدوانية التي شُنّت عليها، ولم تضع أوزارها بعد بأمس الحاجة لأن يتحمل أبناؤها المسؤولية الكاملة عن بنائها وإعادة إعمار البنى التحتية التي تعرضت لكل ذاك الخراب، وتقع تلك المسؤولية على الصغير قبل الكبير، والمرأة قبل الرجل، والمسؤول قبل المواطن، والمواطن قبل الدولة، حيث هؤلاء جميعاً يكملون بعضهم، يجب أن يكونوا يداً واحدة لمحو آثار الحرب، وترسيخ بصمات البناء والإعمار والعزة والتسامي.
“الثورة” التقت بعض الفعاليات من مختلف الشرائح والتي أكدت دور الأفراد الفاعل في تسريع عجلة التعافي.
وهنا يقول النجار محمود برجاس وصاحب ورشة تنجيد: إن المسؤولية لا تتجزأ، فلو حصل تقصير ما ببعض الأعمال والخدمات، وقال كل مسؤول أو مواطن أنا المسؤول عما حصل، سوف يتم تجاوز المشكلة بأقصر وقت ممكن، وبأقل الإمكانات المتاحة، وسوف يتم حتماً تجاوز المرحلة، لكن مع كل أسف نرى تهرباً واضحاً لدى السواد الأعظم من المسؤولية، بحيث نرى بأن كل شخص يرمي سبب المشكلة على الآخر، وكأن الأول ليس له علاقة، وهو مايؤدي بشكل حتمي لتفاقم المشكلة وتعقيدها بدل من حلها.
بدوره أشار المدرس سعد الدين حاكمي: إن المسؤولية بمعناها العام تعني إقرار الفرد بما يصدر عنه من أفعالٍ، واستعداده لتحمل نتائج هذه الأفعال، حيث القدرة على أن يُلزم نفسه أولًا قبل غيره بتسليط الضوء على مكامن الخلل يساهم بشكل كبير بالتعجيل بالإصلاح، وهذا يؤدي بشكل منطقي إلى القدرة على الوفاء بالتزاماته وأداء واجباته الاجتماعية مهما كانت صعبة، غير آبه بالجهود الخاصة التي سيبذلها، و خاصة إذا توافرت الإرادة الحرة لذلك والاندفاع الذاتي.
وضرب حاكمي مثالاً عن مسؤولية الميسورين مثلاً عن بعض الطلاب الذين يعانون أوضاعاً مادية صعبة موضحاً أنه ماذا لو يتعاون جماعة من أفراد المجتمع ممن يُطلق عليهم ” ميسوري الحال” بمساعدة طلبة مدارس، أو طلبة جامعات في تأمين أقساطهم المدرسية أو الجامعية عبر تأمين الأدوات القرطاسية والملابس والقسط المدرسي، وكذلك مساعدة بعض الطلبة المحتاجين في تأمين أقساطهم الجامعية والإشراف على تدريسهم، مقابل أن يتحمل الطالب المسؤولية في الدراسة، ويكون أهلاً لتلك المساعدة، وأن يهتم في دراسته كي يستمر التعاضد والتكاتف، ويتحول إلى ثقافة، وبذات الوقت يشجع الآخرين على هذا العمل، ليمدون يد العون لأشخاص آخرين.
وأوضحت المرشدة الاجتماعية سناء برغلي قائلة: إن المسؤولية أيضاً في البناء لا تتوقف على البناء المادي، فبناء الإنسان هو الذي يهيئ الظروف المنطقية لتشييد وإعمار الأوطان، ولاسيما إذا توافرت الظروف المناسبة لتهيئة هؤلاء الأشخاص وتأهيلهم، وأول من يشكلون نقطة البدء في ذلك الأسر على اختلاف إمكاناتهم، حيث كثير من العائلات من بين أبنائها يتميزون بالنجاح والتفوق والإبداع، وبدل من أن يضيع هؤلاء المبدعون أوقاتهم باللهو، ماذا لو تبنى كل واحد منهم طالباً يساعده في مادة معينة لتقويته فيها ورفع مستواه، شريطة ألا يؤثر ذلك على عمله وإنتاجه ودروسه، فالشعور بالآخرين خطوة مهمة للانطلاق والنجاح في الحياة، لأنه لايوجد شخص يستطيع إكمال مسيرة حياته دون الآخر، والناس بحاجة بعضهم، والمسؤولية الاجتماعية والجماعية صخرة صلدة تقوم عليها أساسات التنمية الشاملة.
وذكرت أن الأسرة هي المثال الأكثر وضوحاً، في إتمام معنى المسؤولية، وهذا ما يتمثل عندما يتقاسم أبناء الأسرة كافة المسؤوليات الملقاة على عاتقهم بحيث يستشعر كل واحد منهم مدى أهمية المهمة الموكلة إليه، وهذا ما يُعرف بتوزيع الأدوار المنظم والذي يُراد منه أن يتعلم أبناء الأسرة والمجتمع أهمية المسؤولية في جميع الأعمال على اختلافها.
وقال المهندس أحمد عكاشة : عندما يشعر المهندس مثلاً بأن البناء الذي يقوم بتسليحه سوف يحوي تحت سقوفه مجموعة كبيرة من الأسر، ويطبق القوانين والحسابات بشكل صحيح يجنب هؤلاء جميعاً الخطر والضرر، وعندما يضع المدير أو المسؤول نفسه مكان المواطن في محطة الوقود وعلى دور الفرن وفي المؤسسة الخدمية يصل إلى نتيجة مفادها ضرورة تشديد العقوبات بحق المخالفين والانتهازيين ومستغلي عملهم، وعندما يشعر الأولاد بصعوبة تأمين حاجاتهم، يخففون الضغوط عن والديهم، وعندما يشعر الجار بالأذى النفسي والمعنوي الذي يسببه بإزعاجه لجيرانه، يقلع عن هذا الإزعاج أياً كان شكله، وعندما يضع المواطن قمامته في الحاويات المخصصة لها وعدم نثرها عشوائياً في الطرقات، يعلم بأن نظافة الحي والشارع واجب عليه وعلى غيره، وعندما يشعر المدرس والموظف وغيرهما بأهمية تأدية العمل المطلوب على أكمل وجه نحقق مجتمعاً معافى سليماً من الأمراض والمشكلات والأزمات.
بالنتيجة تبقى المسؤولية الاجتماعية والجماعية هي الخط الذي يجب السير عليه، من خلال المبالغة في تطبيق القواعد والأنظمة الاجتماعية والقانونية والأخلاقية، كي تتم إعادة ما دمره الإرهاب وإعمار الإنسان والأوطان.