الثورة أون لاين – عمار النعمة:
عندما يمتزج الشعر بالإعلام يكون الإبداع سيد الموقف, هكذا هي مسيرة الشاعر الشاب علي الدندح الذي واظب على الكتابة بوصفها روح الإبداع وألقه.. قد يؤخر إبداعه عاماً أو عامين لكنه عندما يقدم منتجه يحجز له مكاناً رفيعاً بين زملائه الشعراء.
في مجموعته الجديدة “برتقال أسود” الصادرة عن دار العرّاب يتناول الدندح قضايا المجتمع والإنسان, حيث تتجلى للشاعر صور وأحاسيس يمكن القول عنها إبداع, فهي قراءة لخطوط الواقع المرسومة بحبر الحياة إيجاباً أو سلباً معاناة أو قهراً فرحاً أو حزناً.
زمني.. يطالعه المكان
من السؤال الصعب أو من نزّ آلاف الجراح
يمحو بقايا الأحرف الصماء من حبر الدنان
تصحو الغصون الباكيات من الكمان
بالقرب مني غيمة
وهبت وعوداً للحسان
ولامرئ القيس الملاحق قيصراً
للظامئ النشوان.. لليل الغريب
لكل من قد بل مدمعه الثرى
وانهار شعراً وانتشى صوت النحيب
فقلت: منذا قد بكى؟
فإذا الندى من سجنه غنّى ولاح!!.
ولأنه مسكون بالبحث عن الشعر العذب, جاءت مفرداته كقطر الندى، وتعابيره كشلال من ضوء، عَشق الجمال فصوّره، فالمعنى في شعره هو نتاج العناق الأقصى بين الصورة والإيقاع، لكن سلالة شعره معلنة، إنها جماليات اللغة العربية التي لا يرى حداثة شعرية حقيقية دون الوفاء لها، والقدرة على تطويرها في كل مرة يكتب فيها.
في الوعي.. شرفة إصغاء
بمهجة الطين معمدة.. والهواء البكر
يموج بدهشة الملتاع
ودمي بلا رصيف وأراني
في هَدأةٍ الرمل المقفى
كزبدٍ يسربل خطوات الاندثار
في قصيدته (رائحة الجوع) يرسم الدندح الإشارات المباشرة وغير المباشرة بمقدراته التعبيرية وهيمنته بجمع الأماكن ليضعنا في فضاء شعري واسع.. يجمع بين الحدة والتمادي.. وفي المقابل يزرع نقي هوائه في كل مكان.. كما النقوش الجميلة على الأواني..
ابتداءً من الشيب حتى هديل الأباريق
تسترسل اللغة الحجرية.. بيضاء
نافرةً كعروق الزجاجة
قال المغني: يعاقر روحي غياب القوافل
سرب الجراد
فقلت: يؤرقك الزمن المتقاتل.
للجرح بوابتان.. من الخمر
للشعر بحر سمين
وقال المغني: لصوتي رائحة الجوع
قلت: لوجهك لون البراري.
في برتقال أسود يستعيد الدندح جمر الكلمة ولهبها..فهو يهندس قصيدته بريشة الفنان, ويبني لبناتها من نفحات الروح.. ليثبت أن صوت الحياة هو الأقوى والأبلغ في كل حين وكل حياة.
تمر السموم.. وأنت السديم على الضوء
لم تلتفت للذي مرّ
أو من يمر
تقاطيع حرفك تستنفر المستحيل
وفي سورة الحرف تقرأ:
أن الجنون انهمر.. تدفق كما كنت شمساً
تُقسم أشواقها في الجهات وقمحاً يجوب البلاد
يدق بجذوة عشقٍ بيوت المفارق والسندباد
وأنت أناي فيا حزن كن
جملة في كتاب اليقين وفصلاً من التوت والياسمين.
لا شك أن في المجموعة ثمة قصائد تستحق أن نفسح لها كمية من الضوء كي ترى بوضوح معالم البناء والاستعارات الجمالية… ولهذا نقرأ من قصيدة صباح البرتقال:
قد جاء همسك دافئاً
أترى حروفي
ثم أرجف هاجس الذكرى وأوقد في الصباح البكر
وحيَ قصيدةٍ وطوى الجراح
نزف البعاد هو احتراق للمحب
وفيه أضرحة الرماد.