ثمة غاية أساسية متوخاة من أي دراسة أو مقالة أو تعقيب نقدي، تهدف إلى التعريف بالتجارب، من منظور تطور علم الجمال الحديث عبر الغوص في تحليل الأسلوب واللمسة واللون والتكوين والتقنية، وذلك لإيجاد قراءة جديدة بمعناها التعبيري والجمالي والتقني، أي بلغة تشكيلية بحتة لا تقع في هاوية الخطاب التقريري والوصفي والسطحي والاستعراضي.
ومن هذا المنطلق يختلف النقد التشكيلي عن الفن، بأنه يحتاج لثقافة فنية وحساسية بصرية وروحية عالية، فالفن التجريدي على سبيل المثال ينال إعجاب الناس العاديين وحتى الأميين فنياً، حين يدخل في الاستعمال، كأن يطبع التشكيل التجريدي على الملابس والستائر وكامل أثاث المنزل والمكتب، وحين يصبح داخلاً في كل شيء يحيط بنا في البيت والأماكن العامة ، فاللباس المشكل بألوان تجريدية شديدة العفوية (ضربات وحركات لونية تلقائية موضوعة بفرشاة عريضة) هذه التشكيلات اللونية التجريدية الحديثة، لا يستوعبها الإنسان العادي حين تكون على لوحة، ولكنها سرعان ما تلاقي قبوله وإعجابه، حين يجدها على ثوب أو على أي شيء يدخل في دائرة استعماله اليومي.
ونستطيع أن نرى بوضوح تأثيرات الحداثة التجريدية على أزياء النساء والرجال على حد سواء، فإذا تأملنا خطوط الموضة، فإننا نجدها فسحة لاستشفاف أجواء لوحات تجريدية خالصة، فهي تتألف في أحيان كثيرة من مساحات لونية صارخة تتبادل وتتداخل بتلقائية تقترب من التجريد اللوني والخطي، وقد نرى مجموعة من الحركات أو البقع اللونية الصريحة والزاهية والتي تترك في قلب المشاهد العادي فسحة إعجاب ودهشة، وتذكرنا بلوحات كبار فناني الحداثة التشكيلية العالمية، وهذا يعني أن الأمي فنياً يعجب بالفن الحديث حين يدخل في الاستعمال فقط، وهنا ينقلب الوضع رأساً على عقب، لكنه لا يستطيع استيعاب أبسط العبارات الموجودة في مقالة نقدية، لأن النقد يحتاج إلى ثقافة فنية واسعة، وهذا هو جوهر الاختلاف بين الفن والنقد، وبالتالي فالمشكلة لا تقع على النقاد، وإنما تقع بالدرجة الأولى، على الفراغ الثقافي المفجع المحيط بالناقد، والذي يعني عدم وجود ثقافة نقدية فعلية، إلا في حالات استثنائية ونادرة، الشيء الذي يدل على أن الأزمة في جوهرها هي أزمة قراءة ومتابعة وثقافة، وعدم قدرة على تفهم مصطلحات ورسالة وقدسية النقد.
رؤية- أديب مخزوم