الملحق الثقافي:عبد الحكيم مرزوق”:
كتابٌ نقديّ جديد، في السردِ القصصيّ والروائيّ، يتناول فيه الباحث الدكتور «وليد العرفي»، تجربة الكاتب «عبد الغني ملوك»، في مجموعته القصصيّة «مرايا النهر»، وفي روايته الأخيرة «أواخر الأيام».
في الكتاب، الصادر عن «دار الينابيع – دمشق»، يبدأ الكاتب بتناول، تقنيّة العنونة وفاعليّة جذب القارئ، ومن ثمّ يتطرّق إلى تقنيّة مراسم الشخصيات في «مرايا النهر». المجموعة التي تتألف من عشرين قصة، تحدث عن بنائها ولغتها، مثلما عن شخصياتها.
تناول أيضاً، تمثّلات اللهجة العاميّة في البناء القصصيّ، كما أشار إلى مرجعيات الإحالات التناصيّة في السرد ِالقصصيِ، ليكون ما ختم به، التطرق إلى نهايات القصص التي ميّز فيها بين نوعين من النهايات، المغلقة المأساويّة والمفتوحة المفرحة، أما الجانب الآخر من الدراسة، فكان عن رواية «أواخر الأيام»، حيث تحدّث عن المصطلحات الواردة في العنوان، وبناء العنوان، كما عرّف بالحدثِ الروائيّ وأنماط وقوعه، وتقنيّة الزمن القائم على المفارقة التي تتمّ عن طريق الاسترجاع بنوعيّه، الخارجي والداخلي، والاستباق الإعلانيّ والتمهيديّ، وتناول المكان وتمثّلاته، وسواء المغلق أو المفتوح، مشيراً إلى الشخصيات وأنماطها، ودورها في العمل الروائيّ، مثلما دور المؤلّف في الإضاءة عليها، وكان ذلك تحت عنوان :»لون الشخصيات وظلال المؤلف»، ليكون ما تطرّق إليه في النهاية، اللغة في مستوياتها المختلفة.
لقد ميّز د. «العرفي» بين الشخصيات التي يعرفها الكاتب في الواقع، وتلك التي يبدعها خياله على الورق، فالشخصية المبتدعَة تكون أكثر فرديّة وتميّزاً لدى القارئ، ويمكن له أن يستوعبها ويدرك عالمها الداخليّ بيسرٍ، عندما يوفّر له الكاتب مسبار سبر تلك الشخصية؛ فيتكشّف للقارئ عالمها الداخليّ، فالكاتب قادر على عرضِ حياة الشخصيات الداخليةّ والخارجيّة، حدّ معرفة أسرارها، وتتعدّد الشخصيّة الروائية، بتعدّد الأهواء والمذاهب والأيديولوجيات والثقافات والحضارات والهواجس والطبائع البشريّة، التي ليس لتنوّعها واختلافها حدود، ويُسخّر الروائي الشخصيّة لإنجاز الحدث، فتخضع بذلك لصرامة الكاتب وتقنيات إجراءاته وتصوراته وأيديولوجيته؛ أي فلسفته في الحياة.
يخلص «الباحث» هنا، إلى أن الزمن تقنيّة مركزيّة من تقنيات النصّ السرديّ؛ لما يتضمّنه من دلالاتٍ على عملية التطوّر الناتج من التعاقب الزمنيّ، وتدرّج الأحداث في مساقٍ يتّصل بعالمِ الشخصيات المتفاعلة، على مستوى الذات من جهة، وعلى مستوى الخارج من جهة أخرى، وهو دور فعّال وخالق في مسار النصّ الأدبيّ، وبهذا فإن السمة الأدبيّة للنصّ: «ذات علاقة مزدوجة، فهي تتشكّل في داخلِ الزمن، ومن ثمّ يُصاغ الزمن في داخلها، ويقدمها عن طريق اللغة المشحونة بإشعاعاتٍ فكريّة وعاطفيّة».
أيضاً، يرى أن المكان في الرواية ليس جغرافياً وحسب، بل إن الكاتب يُضفي عليه أبعاداً من عاطفته ومخيلته حسب ما تقتضيه المواقف والأحداث، ويُبيّن الفرق بين الزمان والمكان، فالزمن يرتبط بالمظهر المعنويّ للشخصيات، والشعور به شعور نفسي، بينما المكان فإنه مدرك بالحواس: «يختلف تجسيد المكان في الرواية عن تجسيد الزمن، حيث إن المكان يُمثّل الخلفية التي تقع فيها أحداث الرواية، أما الزمن فيتمثَّل فيه هذه الأحداث نفسها وتطورها، وإذا كان الزمن يُمثّل الخط الذي تسير عليه الأحداث؛ فإنَّ المكانَ يظهر على هذا الخط ويُصاحبه ويحتويه».
أما الشخصيات الرئيسية في الرواية، فرأى بأن دورها في كونها: «تقود الفعل وتدفعه إلى الأمام، وليس من الضروري أن تكون الشخصية الرئيسية بطل العمل دائماً، ولكنها هي الشخصية المحوريّة، وقد يكون هناك منافسٌ أو خصم لهذه الشخصية..
وقد يناط بهذه الشخصية دور الكاتب فتسرد هي الأحداث، وتعتمد ضمير المتكلم؛ فتكون: «الشخصيّة الفنيّة التي يصطفيها القاص، لتمثّل ما أرادت تصويره، أو ما أراد التعبير عنه من أفكار وأحاسيس»، وعليها يُبنى الحدث الروائي، فتشكل محور الرواية، وبها تُناط مهام المواقف كلها إذْ: «تدور الأحداث حولها أو بها، وتظهر أكثر من الشخصيات الأخرى، ويكون حديث هذه الشخصيات حولها، فلا تطغى أي شخصية عليها، وإنما تهدف جميعاً لإبراز صفاتها، ومن ثمَّ تبرز الفكرة التي يريد الكاتب إظهارها».
يختم الكاتب: لقد قدَّم القاص والروائي «عبد الغني ملوك» في الكتابة السرديّة بنوعيها القصصيّ والروائيّ، مشروعَه الذي جاء توعويّاً نهضويّاً، طرح فيه أفكاره التنويرية عبر ما قدّمته شخصياته من أفكار وطروحات، كما سلَّط الضوء على الزوايا المعتمة في المجتمع؛ فكشف المخبوءات، وأظهر المُضمرات، وأشار إلى مظاهر الفساد بكلّ شفافية وصدق، وهو الذي خَبر الحياة في جوانبها المختلفة نتيجة تجربته التي اكتسبها من عمله في مجالي الجيش والمحاماة.
إنها الجوانب التي تحتاج إلى مصباحٍ يضيءُ عليها، وهو ما فعله الروائي «ملوك» الذي قدّم حيوات شخصياته من تلك الأماكن التي كان أحد أفراد مجتمعاتها، عاش معهم، وأدرك معاناتهم؛ فكانت كتابتُهُ تُصوّرُ تلك الشخصيات بعين العاطفة، من دون أن يبتعد بها، وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذا الكتاب، يأتي بعد كتابيه السابقين في نقدِ الشعر: «أطياف موشور الرؤيا» و «مرآة الشعر ستائر المعنى».. له أيضاً، ديوانا شعرٍ مطبوعين، الأول «ويُورِقُ الحرف ياسميناً»، والثاني «رأيت خلفي جثّتي».
التاريخ: الثلاثاء6-7-2021
رقم العدد :1053