افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
مع تكاثر التفاصيل، وفي زحمة الأحداث ولجّتها، وعند كل محطة أو مفصل واستحقاق يتصل بدورة الحرب والعدوان وانعكاساتها وتَداعياتها، يَتهيأ للبعض منّا ما لا يَجب أن يَتهيأ له، ويَغوص بعض آخر خَطأً بمُستنقعات الوَهم، ويَقع كثيرون ضحايا للتّهويل، أسرى لتحليلات مُوجهة بقَصد إشاعة حالة الوهن والضعف، كنتيجة لتَعمّد العدو محاولة إغراقنا بالعناوين التي يريدها، وهذه حرب أُخرى لا تَخفى، يَشنها ويُبالغ فيها لعله يُحقق ما عَجز عن تَحقيقه بالحديد والنار والإرهاب.
إذا كان مُتوَقعاً أن يلجأ العدو لكل الأساليب، ويُجرب كل الأدوات، ويَستخدم كل أنماط الحرب، فلماذا يَحصل مع بعضنا ما يحصل فيُسهِّل على منظومة العدوان المهمة؟ وما سُبل الحماية والمواجهة التي لا ينبغي أن نُسقطها من حساباتنا لنَستكمل إحباط مُخططات استهدافنا الجارية على غير مسار واتجاه؟
الحربُ مجموعة معارك، بل سلسلة منها، إذا كانت الميدانية والسياسية والدبلوماسية بَيِّنة، فإنّ أهمها ربما مَعركة الوعي، بل هي القاسم المُشترك بين أشكالها المُتنوعة، ذلك أنّ العدو يخوضها ويَتنقّل بوعي في استخدامها وفق أولويات وَضعَها، وبترتيب يَقبل التغيير عندما تتعثر الخطوات التي حدّدَها ورسمَها، هذا صحيحٌ ومَنظور، غير أنّ الصحيح أيضاً أننا نُواجه الحرب ونَتصدى لمعاركها بوَعي يَتقدم وعيَ العدو بدليل إحباط مُخططه وتَمزيق سلة أهدافه، فكيف سيكون الحال لو أنّ بعضنا الذي التَبَسَت عليه بعض التفاصيل لم يَغرق فيها، لم يَضعُف، وبَقي ثابتاً ثبات أصحاب الإرادة الصلبة، واعياً وعيَ المُؤمنين بالوطن وقضيته الحق؟
في مَحطات العدوان الصهيو – أميركي الذي تَعرَّض له شعبنا ووطننا، مَلأت واشنطن ومُلحقاتها القريبة والبعيدة الفضاء كذباً ونفاقاً وفبركات، ازدادت عُرياً وافتضاحاً مع ثَباتنا وصُمودنا، وعلى امتداد سنوات الحرب كانت كلماتُ السيد الرئيس بشار الأسد دَليلاً وهادياً لجيشنا الباسل، للسوريين الصامدين المُضحّين، وللحكومة ومُؤسساتها، ذلك بما لا يَترك مجالاً لالتباس يَقع بأيّ تفصيل من التفاصيل، بل حتى بأيّ أزمة من الأزمات التي واجَهتنا ما اتصل منها بالسياسي، العسكري، والاقتصادي المَعيشي.
المُحددات الأساسية، الثوابت الوطنية، لم تَهتز، وبَقيت البوصلة واضحة أولاً لدى قيادتنا وجيشنا، وثانياً لدى أكثرية شعبنا إلا القلّة ممن تَخلوا عن المبدأ وتجاوزوا، وممن تَطاولوا على الوطن، وقَبلوا المساس بسيادته، وقد كانت وقائع هذا الفرز مُفيدة جداً بمقدار تَسارع وقوعها، وهو الأمر الذي ساهم بجلاء عناصر المؤامرة واتضاح أطرافها، أيضاً ودائماً بما لا يَترك مجالاً للالتباس لدى أحد.
الانهيارات الكُبرى التي كانت أطراف العدوان تَنتظر وقوعها في سورية، لم تَقع، ولأنّها لم تَقع، فقد كانت تَتَوالى الانهيارات في الجهة الأخرى، في صفوف التنظيمات الإرهابية الداعشية ومُشتقاتها والمُرتزقة، في تحالف العدوان الذي تقوده الولايات المتحدة، في البُنية الأساسية له، وفي ما سُمي الكتلة الصلبة لهذا التحالف، وهو ما يَنبغي أن يُسهم بجعل المشهد أكثر جلاء، فضلاً عن إزالة كل التباس، وقعَ عند البعض المُطالَب بمُراقبة الواقع والموقف الذي يَزداد قوّةً وصلابةً في سورية المُنتصرة مع حلفائها وأصدقائها، وضَعفاً وهَشاشةً في الجهة المُعادية بكامل مُكوناتها التي تَوهمت السقوط والإسقاط والتقسيم والفَدرلة التي ما كانت لتتوقف قبل أن تَأكل المنطقة، وليس سورية ومحور المُقاومة فقط.
انتصارُ سورية، دفاعها عن المنطقة والأمة، وعن القيم والمبادئ، هي الحقيقة التي لا يُمكن أن تَلتبس على أحد، ويجب ألا تَلتبس على الجميع، وخاصة على الذين يَميزون الطيّب من الخَبيث، والصديق من العدو، هي اليوم في أبهى حالة وضوحاً وجلاءً، مَحسوسة مَلموسة، تُدركها العقول، وتَسكن الضمائر الوطنية الحيّة، ومن بعدِ إنجاز استحقاقنا الانتخابي الرئاسي يَزداد إيماننا بها رسوخاً، ويَقيننا أنّ خطاب القسم الذي نَنتظره، والذي سيَفتتح مرحلة مهمّة في مسيرة الصمود والبناء والتنمية، لن يُغنيها فقط، ويُثبت مُرتكزاتها، بل سيَضع المُحددات التي تُصلب الموقف المَبدئي، ولا تُعير انتباهاً لهُراء الآخرين المُنخرطين بلعبة الإرهاب والتطرف، المُنفصلين عن الواقع.