الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
يتجاوز عيد الجيش العربي السوري الذي تحل اليوم الذكرى السادسة والسبعين لتأسيسه مرتبة الذكرى العادية التي تمضي بمجرد إحيائها، لتصبح حدثاً يومياً نعيشه بكل تفاصيله المشرِّفة، وخاصة مع الإنجازات والانتصارات التي يسطرها هذا الجيش البطل على امتداد الجغرافية السورية.
فقد تحول جيشنا منذ تأسيسه إلى جيش أسطوري يصنع الملاحم تلو الملاحم دفاعاً عن سورية وعن الأمة العربية وعن قضاياها القومية، ويدفع أغلى ما يملك لصون العقيدة الوطنية التي آمن بها، بحيث لم يتأخر يوماً في أداء واجبه الوطني أو القومي، وخاض معارك مشرِّفة تؤكد أنه كان أهلا لحفظ الأمانة وصيانة العهد، وأنه كان دائماً العين الساهرة على حماية الوطن.. مجسداً لقبه بكل أمانة كحامٍ للديار.
لعله من الإنصاف القول إن البداية الحقيقية للجيش العربي السوري لم تكن في الأول من شهر آب عام 1945 أي يوم التأسيس بل تعود بدايته المشرِّفة لملحمة ميسلون الخالدة في الذاكرة والوجدان، أي إلى يوم الرابع والعشرين من شهر تموز عام 1920 حين هب أبناؤه البررة بشكل عفوي وطوعي بقيادة وزير الحربية آنذاك البطل يوسف العظمة لمواجهة جحافل الاستعمار الفرنسي القادمة لاحتلال سورية، وخاضوا معركة مشرِّفة غير متكافئة قدموا فيها أغلى التضحيات لئلا يقول التاريخ إن المحتل الفرنسي الغاشم وطأ أرض سورية من دون مقاومة ومن دون تضحيات.
وكانت أبلغ الرسائل يومها أن السوريين هم أهل مقاومة وكفاح، ولا يمكن أن يسكتوا على ضيم، وقد جسد القائد البطل يوسف العظمة القدوة والمثل عندما قدم روحه فداء للوطن إلى جانب لفيف من رفاقه الأبطال، ليكونوا معاً مصدر الإلهام لثورة شعبية عارمة ضد المحتل الفرنسي شملت كل أرجاء سورية، لم تهدأ يوماً واحداً حتى نالت سورية استقلالها في السابع عشر من نيسان عام 1946، وكان من نتائج ثورة الشعب وصموده وتقديمه التضحيات الغالية تأسيس الجيش العربي السوري في الأول من آب عام 1945 ليكون أصحاب النفوس الأبية من أبناء الجيش الوطني حماة الديار على مر الأيام والسنوات.
لقد تبلورت عقيدة الجيش العربي السوري القومية سريعاً بعد الاستقلال حين خاض أولى معاركه المشرفة عام 1948 ضمن جيش الإنقاذ دفاعاً عن عروبة فلسطين في وجه العصابات الصهيونية المدعومة من الغرب الاستعماري، حيث قدم أبناؤه أنبل وأغلى التضحيات على تراب فلسطين الطاهر، ولاحقاً حينما شارك أبناؤه في صد العدوان الثلاثي على مصر الشقيقة عام 1956 ليرتقي الملازم البحري البطل جول جمال شهيداً دفاعاً عن مصر كأول فدائي عربي في مواجهة البارجة الفرنسية جان بارت المعتدية على سيادة مصر.. الأمر الذي ساهم في إفشال ذلك العدوان الآثم وإحباط أهدافه.
وفي السادس من تشرين أول عام 1973 خاض جيشنا البطل تحت قيادة القائد المؤسس الراحل حافظ الأسد حرب تشرين التحريرية محققاً انتصاراً عربياً ناجزاً بالشراكة مع جيش مصر الشقيقة ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، فأعاد أجزاء غالية من تراب الجولان المحتل للوطن الأم سورية، حيث رفع القائد الأسد في السادس والعشرين من حزيران عام 1974 علم الوطن فوق تراب القنيطرة المحررة.
وفي العام 1975 دخل جيشنا البطل إلى لبنان الشقيق بطلب من حكومته الشرعية آنذاك لإنقاذ لبنان من الحرب الأهلية المستعرة بين مكوناته بدعم وتدخل خارجي، واستطاع جيشنا بتضحياته الكبيرة أن يحمي لبنان من الفتنة والتقسيم، ويعيد بناء كيان الدولة، ويساهم بإعادة تأسيس الجيش اللبناني، كما قدم دعماً غير محدود للمقاومة اللبنانية من أجل صد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وتحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي مؤكداً عقيدته القومية الراسخة.
اليوم ما زال أبطال الجيش العربي السوري حماة الديار يمسكون بزمام المبادرة ويطوعون الجغرافية الشاسعة ويمتلكون الروح العالية والقدرة على البذل والعطاء والتضحية في أصعب الظروف الجوية والعسكرية، بالرغم من تعدد وكثرة الجبهات التي يحاربون عليها وكثرة الأعداء الذين يحاربونهم، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على متانة البنيان وصحة العقيدة التي تأسس عليها
