الملحق الثقافي:شهناز صبحي فاكوش :
ثلّةٌ من الشباب أسرجت فكرها وفنّها، على سنابك الخيل الأصيلة، من مدينة الصمود (ليننغراد) القرن الحادي والعشرين، شعيب (مكة) دير الزور، أسطورة الصمود، حيث تساوى الموت والحياة.. أطلق شبابها العنان للخيول، إلى حيث النواعير..
تراتيلُ النواعير عجنت شغاف القلب، بتراب أرض فقدت مقوّمات الحياة لِما ينوف ثلاث سنين، كرام، رفعوا ستائر مسرحهم لشبابٍ واعد الان قلمه؛ ليمسح أسى الأيام، ويُعلي لحناً شجيّاً من ناي الأنين، عن وجه جميلةٍ فراتية كانت تدعى عروس الفرات..
عروسٌ هُشِّمَ جمالها ومُزِّق ثوب عرسها، في ليلةٍ حاول فيها أشرار العالم اغتصابها. العفيفة سترت عورتها، ببقايا أشلاءِ أيام اختطفتها من ثنايا الموت ونجيع الشهداء.. حين كان تحت كلّ موطئ قدم في مدينتي رفاة شهيد، وفي كلّ منزلٍ جائع وشريد..
أجنّة وشيوخ وأطفال قضمهم الجوع، لينافسوا الشهداء على الترب الطهور، التحفوه ليشعروا بالأمان الأبدي من إرهابهم.. تراب حديقةٍ كان أو ساحة مسجد، لأن المدافن احتلّها الغزاة الإرهابيون، لم يسلم من بطشهم من اختارهم القدر، ليحترق قلبنا مرتين..
فرحتُ لصوته شاب في مقتبل العمر، ومجموعة صهباء من محافظة الصمود ونهر الخلود. حيث جذري ومنبتي، شباب عاقروا المحن، أطبقت عليهم نواجذ الأيام المهترئة، تقاسموا كسرة خبزٍ جفّت كشفاهِ صبيّة تقشفت، لم يكفِها البلل بماء المطر، وهي التي تشاطئ الفرات، ويزيد ظمأها رصاص القناصة، يمنعها اغتراف شربة منه..
شبابٌ ساقوا الأيام أمامهم وهم في فجوةٍ من الزمان، اعتلوا صهوة المجهول ليعيدوا إلى أرض الحضارات وواحة الخير، بارقة تشع في يومهم والقادمات معلّين الصوت: رُفعت الأقلام وجفّت الصحف. من دير الزور نعلن عشق الوطن.. هنا سورية..
جائزتنا ليست كالجوائز، وليست مثل شهادات التقدير، إنها شهادة حياة مدينة أرادوا لها الموت؛ بالنيل من مقومات الحياة لأهلها، ومجازر الموت الجماعي. تتجول أرتال الإرهابيين فيها ليعيثوا فساداً ويسحقوا كلّ جميل.. نالوا من أبرياء البشر والشجر..
جائزتنا شهادة ارتقاء للحياة بعد مماتٍ راهن عليه أعداؤنا، غريب، ومع الأسف قريب، ناكرٌ لفضلها في وجوده، ومستغلٌّ لحربها، لص و(عفيش) ولافظ لخيرها. ببساطة جوفهم عفن، لا يحتمل لقمة العفاف. نتانة الحرام أترعت أنفاسهم، يرأب الحلال بنفسه؛ فتنحى عن جيفة زفيرهم، وأهلها حملوا صليبهم وساروا إلى النور..
شباب لم يرتض عن الحياة بديلاً، سار في مواكبٍ تلوّنت بطيف لياليها النديّة، وغروب شمسها الفتية التي لا تشيخ.. وقمرٌ يعانق فجرها كلّ يوم؛ مودعاً يتوارى خلف الظلال البعيدة، معلناً أنه صديق شمس حياتها الفتية أبداً، ليعود بضيائه الفضيّ كلّ ليلة، لأنه العاشق، فمن غيره يرسم على صفحة الفرات تراتيل الموليّا..
من منزل على الجبهة، وبسمة طفل، وضحكة شاب، وضفيرة صبية قمحية، وعباية الحاجة ومنديلها، وعصا (باكور) جدي.. تعود الحياة لتنبض ما بين الطرفة والغرب، والخزامى والأقحوان، وخيرٌ يغدق على الوطن.. نحن أبناء دير الخير..
التاريخ: الثلاثاء31-8-2021
رقم العدد :1061