«منزلٌ على الجبهة».. هو منزلُ الواقع

 

الملحق الثقافي:محمد الحفري *

ينتمي العرض المسرحيّ «منزل على الجبهة» أولاً، إلى الجرأة التي تقدم عليها الأعمال الشبابيّة عموماً، وثانياً إلى المواجهة المباشرة مع الواقع والأحداث التي جرت في بلادنا، والبيت المفترض الذي جرى فيه العرض، قد يعني كل سوري وقد يكون كلّ واحد منّا، قد تعرّض للمحنة ذاتها.
العمل المونودراميّ المذكور، القادم من مدينة دير الزور الفراتية، قُدّم منذ أيام على مسرح القباني بدمشق، وهو من تأليف وتمثيل «عماد عبيد» وإخراج «شوكت كبيسي»، وقد شارك في مهرجان حماة لعروض المونودراما، وحصل على جائزة أفضل نصّ وتمثيل وإخراج، وربما يحيلنا العنوان إلى عملٍ سوري قدّم قبل الأحداث، ويحمل عنوان « نزهة في الجبهة» مع الفارق في المضمون، فقد قدمت المسرحية في ذاك الوقت مادتها، بقالبٍ كوميدي زارت فيه العائلة أحد أبنائها، أما العمل الذي بين أيدينا، فيكاد يكون على جبهةٍ حقيقية، وفيه الكثير من الغصّة والمرارة والمعاناة، ويعرف هذا النوع من الأعمال بأنه من أصعب ما يقدّم على خشبة المسرح، لما فيه من جهد كبير، يبذله الممثل الواحد في التعامل مع الديكور والإضاءة وسينوغرافيا العرض بشكلٍ كامل، ليكون متوازياً مع منطوق الشخصية وانفعالاتها، ومع الشخصيات الأخرى التي يمكن أن يؤدي دورها، وربما هذه النقطة بالذات هي ما نأخذه على العرض، فقد بقي الممثل وحيداً ولم يتعامل سوى في لقطاتٍ محدودة مع الشخصيات الأخرى، ونخصّ منها دخول الغريب إلى منزله، أما ذكرى الأم المسافرة والحبيبة الهاربة، وتفاصيل حياةٍ سابقة للحرب، فقد جاءت على لسان الشخصية الحاملة للعرض، وكادت تغطي أغلب مساحته.
تبدو الشخصية التي جسدها علاء عبيد، مهزوزة ومأزومة منذ بداية العمل، حيث يلعب طاولة الزهر مع نفسه، ويستذكر من فقدهم في هذه الحرب، وهو نفسه لم ينجو من شرورها، فقد أصابته طلقة قناص في فخذه، وتلك الأفعال التي قامت بها الشخصية مبررة برأينا، فهي تعيش الحصار النفسيّ قبل الجسدي، وخاصة أنها تجّسد دور خريج جامعيّ وفنان تشكيليّ، في الآن ذاته، وأهل الفن برهافتهم وإحساسهم العميق بالأشياء من حولهم، قد يقفون بدهشتهم وحيرتهم أمام هول المصاب والجراح الدامية المفتوحة على الفجيعة، ولعل من أهم المطبّات التي وقع فيها النصّ قبل العرض، تكمن في قول تلك الشخصية، أنها لا تعرف مع من تتعامل بالضبط، فكيف يصحّ ذلك وهي لخريجٍ وفنان كما أسلفنا؟.. من ناحية أخرى، فالممثل قد أخفق في بعض المطارح، عن بثّ تلك المشعر الوجدانية لبطله، واكتفى أن يكون ممثلاً، وهذا الكلام قد يدفعنا إلى أبسط قاعدة يقول مفادها: «على الممثل ألا يمثل» وربما تغافل الإخراج عن عودة البطل، ليطلّ بعد لحظاتٍ بشكلٍ طبيعي، على الجهة التي جاءته منها رصاصة، وقد أكّدت بعض التجارب، أن من تعرضوا للإصابة قد يكون لديهم ردود فعل خاصة، ومختلفة عن غيرهم.
اشتغل العرض بطريقةٍ دائرية، حيث يعود في نهايته إلى نقطة البداية التي كان فيها البطل يراقب ما يجري حوله، ولعلّ من أهم جمائله وحسناته التي يجب علينا التطرق إليها، حالة التداعي التي نقلتنا إلى ما كان وما هو كائن، والأهم من ذلك برأينا، حالة الحيرة والتردّد التي تلبّست البطل، وجعلته أمام السؤال الصعب، هل يبقى في المكان أم أن عليه أن يسافر ويترك كلّ شيء خلفه، مستجيباً لإغراء العيشة الرغيدة والحياة الهانئة؟.. تمثّل ذلك في لبس المعطف واعتمار القبعة، لكنه يعود ليخلعهما ويختار البقاء والمواجهة، على الرغم مما حدث من دمارٍ وخراب، والبيت الواقف على الجبهة لم يبق منه ما يدل على أنه بيت، وتلك العودة قد تخصّ الإنسان السوري الأصيل، ونعني الكلمة الأخيرة حرفياً، والتي تحمل الجوع والفقر وظروف قهرية أخرى، وفاء منه لتلك البقعة من الأرض التي تعني له الكثير، وفي ذلك انتصار للوطن على الرغم من طريقة العرض البكائية، وانغماسه في الحزن حتى الأذنين، وبالتالي يمكن الإيجاز بالقول: إن العرض كلّه حسنات، وخاصة أنه قادم من مدينةٍ تعرضت للحصار الذي أدماها، وجعل نزيفها يسيل مع ماء الفرات..
* روائي وكاتب مسرحي

التاريخ: الثلاثاء31-8-2021

رقم العدد :1061

 

آخر الأخبار
ثلاث منظومات طاقة لآبار مياه الشرب بريف حماة الجنوبي الفن التشكيلي يعيد "روح المكان" لحمص بعد التحرير دراسة هندسية لترميم وتأهيل المواقع الأثرية بحمص الاقتصاد الإسلامي المعاصر في ندوة بدرعا سوريا توقّع اتفاقية استراتيجية مع "موانئ دبي العالمية" لتطوير ميناء طرطوس "صندوق الخدمة".. مبادرة محلية تعيد الحياة إلى المدن المتضررة شمال سوريا معرض الصناعات التجميلية.. إقبال وتسويق مباشر للمنتج السوري تحسين الواقع البيئي في جرمانا لكل طالب حقه الكامل.. التربية تناقش مع موجهيها آلية تصحيح الثانوية تعزيز الإصلاحات المالية.. خطوة نحو مواجهة أزمة السيولة تعزيز الشراكة التربوية مع بعثة الاتحاد الأوروبي لتطوير التعليم حرائق اللاذقية تلتهم عشرات آلاف الدونمات.. و"SAMS" تطلق استجابة طارئة بالتعاون مع شركائها تصحيح المسار خطوة البداية.. ذوو الإعاقة تحت مجهر سوق العمل الخاص "برداً وسلاماً".. من حمص لدعم الدفاع المدني والمتضررين من الحرائق تأهيل بئرين لمياه الشرب في المتاعية وإزالة 13 تعدياً باليادودة "سكر مسكنة".. بين أنقاض الحرب وشبهات الاستثمار "أهل الخير".. تنير شوارع خان أرنبة في القنيطرة  "امتحانات اللاذقية" تنهي تنتيج أولى المواد الامتحانية للتعليم الأساسي أكرم الأحمد: المغتربون ثروة سوريا المهاجر ومفتاح نهضتها جيل التكنولوجيا.. من يربّي أبناءنا اليوم؟